١٠

قوله تعالى: {الم * تَرَى * إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ} في سبب نزولها قولان:

أحدهما: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا، قتل أو موت، أو مصيبة، فيقع ذلك في قلبوهم، ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى تقدم أصحابهم. فلما طال ذلك وكثر، شكا المؤمنون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأمرهم، أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس.

والثاني: نزلت في اليهود، قاله مجاهد. قال مقاتل: وكان بين اليهود وبين رسول اللّه موادعة فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده تناجوا بينهم، فيظن المسلم أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى، فلم ينتهوا، وعادوا إليها فنزلت هذه الآية. وقال ابن السائب: نزلت في المنافقين. والنجوى: بمعنى: المناجاة {ثُمَّ يَعُودُونَ} إلى المناجاة التي نهوا عنها {وَيَتَنَـٰجَوْنَ} قرأ حمزة، ويعقوب، إلا زيدا، وروحا «ويتنجَّون» وقرأ الباقون «ويتناجون» بألف. وفي معنى تناجيهم {بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوٰنِ} وجهان:

أحدهما: يتناجون بما يسوء المسلمين، فذلك الإثم والعدوان ويوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول.

والثاني: يتناجون بعد نهي الرسول، ذلك هو الإثم والعدوان ومعصية الرسول.

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللّه} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.

أحدهما: نزلت في اليهود. قالت عائشة رضي اللّه عنها: جاء ناس من اليهود إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل اللّه بكم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

مه يا عائشة، فإن اللّه لا يحب الفحش، ولا التفحش، فقلت: يا رسول اللّه: ترى ما يقولون؟ فقال: ألست تريني أرد عليهم، ما يقولون وأقول: وعليكم، قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك. قال الزجاج: والسام: الموت.

والثاني: أنها نزلت في المنافقين، رواه عطية عن ابن عباس.

قال المفسرون: ومعنى «حيوك» سلموا عليك بغير سلام اللّه عليك، وكانوا يقولون: سام عليك. فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم، أو يقول بعضهم لبعض، لو كان نبيا عذبنا بقولنا له ما نقول.

قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} فيها قولان.

أحدهما: نزلت في المنافقين، فالمعنى ياأيها الذين آمنوا بزعمهم، وهذا قول عطاء ومقاتل.

والثاني: أنها في المؤمنين، والمعنى: أنه نهاهم عن فعل المنافقين واليهود، وهذا مذهب جماعة، منهم الزجاج.

قوله تعالى: {تَتَنَـٰجَوْاْ} هكذا قرأ الجماعة بألف. وقرأ يعقوب وحده «فلا تتنجوا» فأما البر فقال مقاتل: هو الطاعة «والتقوى» ترك المعصية. وقال أبو سليمان الدمشقي: «البر» الصدق و«التقوى» ترك الكذب. ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون، من الشطيان،

فقال تعالى {إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ} أي: من تزيينه، والمعنى: إنما يزين لهم ذلك {لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} وقد بينا اتقاء ما كان يحزن المؤمنين من هذه النجوى {وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئاً} أي: وليس الشيطان بضار المؤمنين شيئا {إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللّه} أي: بإرادته {وَعَلَى ٱللّه فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} أي: فليكلوا أمورهم إليه.

﴿ ١٠