١١

قوله تعالى: {إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس} وقرأ عاصم في «المجالس» على الجمع، وذلك لأن كل جالس له مجلس، فالمعنى ليفسح كل رجل منكم في مجلسه.

قال المفسرون: نزلت في نفر من المؤمنين كانوا يسابقون إلى مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا أقبل المهاجرون وأهل السابقة، لم يجدوا موضعا، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب أن يليه أولو الفضل ليحفظوا عنه، فبينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم جمعة جالس في صفة ضيقة في المسجد، جاء نفر من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس ابن شماس، فسلموا وانتظروا أن يوسعوا لهم، فأوسعوا لبعضهم، وبقي بعضهم، فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال قم يا فلان، قم يا فلان، حتى أقام من المجلس على عدة من هو قائم من أهل السابقة، فرأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وجوه من أقامهم الكراهة، وتكلم المنافقون في ذلك، وقالوا: واللّه ما عدل، فنزلت هذه الآية. وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا أقبل مقبل ضنوا بمجلسهم، فأمرهم اللّه أن يفسح بعضهم لبعض.

قال المفسرون: ومعنى «تفسحوا» توسعوا وذلك أنهم كانوا يجلسون متضايقين حول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلا يجد غيرهم مجلسا عنده؛ فأمرهم أن يوسعوا لغيرهم ليتساوي الناس في الحظ منه، ويظهر فضلة المقربين إليه من أهل بدر وغيرهم.

وفي المراد «بالمجلس» ها هنا ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه مجلس الحرب، ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصف، فيقول لهم: توسعوا، فيأبون عليه لحرصهم على القتال، وهذا قول ابن عباس والحسن وأبي العالية، والقرظي.

والثاني: أنه مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قاله مجاهد. وقال قتادة: كان هذا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ومن حوله خاصة.

والثالث: مجالس الذكر كلها، روي عن قتادة أيضا. وقرأ علي ابن أبي طالب، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة،والأعمش: «تفسحوا في المجالس» بألف على الجمع.

قوله تعالى: {يَفْسَحِ ٱللّه لَكُمْ} أي: يوسع اللّه لكم الجنة، والمجالس فيها {وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ} قرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم «انشزوا فانشزوا» برفع الشين. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بكسر الشين فيهما. ومعنى «انشزوا» قوموا قال الفراء: وهما لغتنان.

وفي المراد بهذا القيام خمسة أقوال:

أحدها: أنه القيام إلى الصلاة، وكان رجال يتثاقلون عنها، فقيل لهم: إذا نودي للصلاة فانهضوا، هذا قول عكرمة والضحاك.

والثاني: أنه القيام إلى قتال العدو، قاله الحسن.

والثالث: أنه القيام إلى كل خير من قتال أو أمر بمعروف ونحو ذلك، قاله مجاهد.

والرابع: أنه الخروج من بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أنهم كانوا إذا جلسوا في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أطالوا ليكون كل واحد منهم آخرهم عهدا به، فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا، قاله ابن زيد.

والخامس: أن المعنى قوموا وتحركوا وتوسعوا لإخوانكم، قاله الثعلبي.

قوله تعالى: {يَرْفَعِ ٱللّه ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ} أي: يرفعهم بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم من الإيمان {و} يرفع {وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} على من ليس بعالم.

وهل هذا الرفع في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه وجهان.

أحدهما: أنه إخبار عن ارتفاع درجاتهم في الجنة.

والثاني: أنه ارتفاع مجالسهم في الدنيا، فيكون ترتيبهم فيها بحسب فضائلهم في الدين والعلم. وكان ابن مسعود يقول: أيها الناس: افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، فإن اللّه يرفع المؤمن العالم فوق من لا يعلم درجات.

﴿ ١١