|
٩ قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ} وقرأ عاصم، «أُسوة» بضم الألف، وهما لغتان، أي: اقتداء حسن به وبمن معه، وفيهم قولان: أحدهما: أنهم الأنبياء. والثاني: المؤمنون إذ قالوا لقومهم «إنا برءاء منكم» قال الفراء: يقول: أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم وقومه فتبرأت من أهلك كما تبرؤوا من قومهم؟ٰ قوله تعالى: {لا قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لاِبِيهِ} قال المفسرون: والمعنى: تأسوا بإبراهيم إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأسوا به في ذلك، فإنه كان عن موعدة وعدها إياه، {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللّه مِن شَىْء} أي: ما أدفع عنك عذاب اللّه إن أشركت به، وكان من دعاء إبراهيم وأصحابه {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} إلى قوله تعالى: {ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} قال الفراء: قولوا أنتم ربنا عليك توكلنا، وقد بينا معنى قوله تعالى: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} في {يُونُسَ ءايَةً} ثم أعاد الكلام في ذكر الأسوة فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ} أي: في إبراهيم ومن معه، وذلك أنهم كانوا يبغضون من خالف اللّه وقوله تعالى {لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللّه} بدل من قوله تعالى: {لَكُمْ} وبيان أن هذه الأسوة، لمن يخاف اللّه، ويخشى عقاب الآخرة. قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ} أي: يعرض عن الإيمان ويوال الكفار، {فَإِنَّ ٱللّه هُوَ ٱلْغَنِىُّ} عن خلقه {ٱلْحَمِيدِ} إلى أوليائه فلما أمر اللّه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم، فأنزل اللّه تعالى {عَسَى ٱللّه أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم} أي: من كفار مكة مودة، ففعل ذلك بأن أسلم كثير منهم يوم الفتح وتزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فانكسر أبو سفيان عن كثير مما كان عليه حتى هداه اللّه للإسلام، {وَٱللّه قَدِيرٌ} على جعل المودة {وَٱللّه غَفُورٌ} لهم {رَّحِيمٌ} بهم بعدما أسلموا. قوله تعالى: {لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللّه عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ} اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال: أحدها: أنها في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العزى، قدمت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تدخلها منزلها، وتقبل هديتها، وتكرمها، وتحسن إليها، قاله عبد اللّه بن الزبير. والثاني: أنها نزلت في خزاعة وبني مدلج وكانوا صالحوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا قاله ابن عباس؛ وروي عن الحسن البصري أنها نزلت في خزاعة، وبني الحارث بن عبد مناف، وكان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فداموا على الوفاء به. والثالث: نزلت في قوم من بني هاشم منهم العباس، قاله عطية العوفي. والرابع: أنها عامة في جميع الكفار، وهي منسوخة بقوله تعالى {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} {ٱلتَّوْبَةُ} قاله قتادة. والخامس: نزلت في النساء والصبيان، حكاه الزجاج. قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة منهم. قوله تعالى: {وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـٰرِكُمْ} أي: من مكة {أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ} أي: تعاملوهم بالعدل فيما بينكم وبينهم. قوله تعالى: {وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرٰجِكُمْ} أي: عاونوا على ذلك أن تولوهم والمعنى: إنما ينهاكم عن أن تولوا هؤلاء لأن مكاتبتهم بإظهار ما أسره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم موالاة. وذكر بعض المفسرين أن معنى الآية والتي قبلها منسوخ بآية السيف. قال ابن جرير: لا وجه لادعاء النسخ، لأن بر المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة، غير محرم إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح، أو دلالة لهم على عورة أهل الإسلام. ويدل على ذلك حديث أسماء وأمها الذي سبق. |
﴿ ٩ ﴾