٤ قوله تعالى: {إِذَا جَاءكَ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ} يعني: عبد اللّه بن أبي وأصحابه {قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللّه} وها هنا تم الخبر عنهم. ثم ابتدأ فقال تعالى: {وَٱللّه يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللّه يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ} وإنما جعلهم كاذبين، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا. قال الفراء: إنما كذب ضميرهم. {ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللّه} قد ذكرناه في {المجادلة: ١٦} قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية تدل على أن قول القائل: «أشهد» يمين، لأنهم قالوا: «نشهد» فجعله يمينا بقوله تعالى: {يَعْمَلُونَ ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً} وقد قال أحمد، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة: أشهد، وأقسم، وأعزم، وأحلف، كلها أيمان. وقال الشافعي: «أقسم» ليس بيمين. وإنما قوله: «أقسم باللّه» يمين إذا أراد اليمين. قوله تعالى: {ذٰلِكَ} أي: ذلك الكذب {بِأَنَّهُمْ ءامَنُواّ} باللسان {ثُمَّ كَفَرُواْ} في السر {فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} الإيمان والقرآن {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ} يعني: أن لهم أجساما ومناظر. قال ابن عباس: كان عبد اللّه بن أبي جسيما فصيحا، ذلق اللسان، فإذا قال، سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم قوله. وقال غيره: المعنى: تصغي إلى قولهم، فتحسب أنه حق {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة: «خشب» بضم الخاء، والشين جميعا، وهو جمع خشبة. مثل ثمرة، وثمر. وقرأ الكسائي: بضم الخاء، وتسكين الشين، مثل: بدنة، وبدن، وأكمة، وأكم. وعن ابن كثير، وأبي عمرو، مثله. وقرأ أبو بكر الصديق، وعروة، وابن سيرين: «خشب» بفتح الخاء، والشين جميعا. وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو عمران بفتح الخاء، وتسكين الشين، فوصفهم اللّه بحسن الصورة، وإبانة المنطق، ثم أعلم أنهم في ترك التفهم والاستبصار بمنزلة الخشب. والمسندة: الممالة إلى الجدار. والمراد: أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي، بل خشب مسندة إلى حائط. ثم عابهم بالجبن فقال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي: لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف اللّه أسرارهم، وهذه مبالغة في الجبن. وانشدوا في هذا المعنى: ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما أي: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبلتين. قوله تعالى: {هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ} أي: لا تأمنهم على سرك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار {قَـٰتَلَهُمُ ٱللّه أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} مفسر في {بَرَاءةٌ}. |
﴿ ٤ ﴾