|
١٦ قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ} قال المفسرون: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية وأبيا ابني خلف، ويدعوهم إلى اللّه تعالى، ويرجو إسلامهم، فجاء ابن أم مكتوم الأعمى فقال علمني يا رسول اللّه مما علمك اللّه، وجعل يناديه، ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره، حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى اللّه عليه وسلم، لقطعه كلامه فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأقبل على القوم يكلمهم فنزلت هذه الآيات، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكرمه بعد ذلك، ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي. وذهب قوم منهم مقاتل الى أنه إنما جاء ليؤمن، فأعرض عنه النبي صلى اللّه عليه وسلم اشتغالا بالرؤساء، فنزلت فيه هذه الآيات. ومعنى «عبس» قطب وكلح «وتولى» أعرض بوجهه {أَن جَاءهُ} أي: لأن جاءه. وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو المتوكل، وأبو عمران «آن جاءه» بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، «أأن» بهمزتين مقصورتين مفتوحتين. و{ٱلاْعْمَىٰ} هو ابن أم مكتوم، واسمه عمرو بن قيس. وقيل: اسمه عبد اللّه بن عمرو {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ} أي: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما يتعلمه منك. وقال مقاتل: لعله يؤمن {أَوْ يَذَّكَّرُ} أي: يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن {فَتَنفَعَهُ ٱلذّكْرَىٰ} قرأ حفص عن عاصم «فتنفعه» بفتح العين، والباقون برفعها. قال الزجاج: من نصب فعلى جواب «لعل» ومن رفع فعلى العطف على «يزكى». قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ} قال ابن عباس: استغنى عن اللّه وعن الإيمان بماله. قال مجاهد «أما من استغنى» عتبة وشيبة، {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ} قرأ ابن كثير، ونافع، «تصَّدَّى» بتشديد الصاد.وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «تَصَدَّى» بفتح التاء والصاد وتخفيفها، وقرأ أبي بن كعب، وأبو الجوزاء، وعمرو بن دينار «تَتَصَدَّى» بتاءين مع تخفيف الصاد قال الزجاج: الأصل: تتصدى ولكن حذفت التاء الثانية لإجتماع تاءين. ومن قرأ «تصدى» بإدغام التاء، فالمعنى أيضا: تتصدى، إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد. قال ابن عباس: «تصدى» تقبل عليه بوجهك. وقال ابن قتيبة: تتعرض. وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع، والجحدري، {تَصَدَّىٰ} بتاء واحدة مضمومة، وتخفيف الصاد. قوله تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ} أي: أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه الى الإسلام؟ يعني: أنه ليس عليه إلا البلاغ. {وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَىٰ} فيه قولان. احدهما: يمشي. والثاني: يعمل في الخير، وهو ابن أم مكتوم {وَهُوَ يَخْشَىٰ} اللّه {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ} وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وأبو الجوزاء «تتلهى» بتاءين. وقرأ أبي بن كعب، وابن السميفع، والجحدري، «تلهى» بتاء واحدة خفيفة مرفوعة. قال الزجاج: أي: تتشاغل عنه. يقال: لهيت عن الشيء ألهى عنه: إذا تشاغلت عنه. قوله تعالى: {كَلاَّ} أي: لا تفعل ذلك. {أَنَّهَا} في المكني عنها قولان. احدهما: آيات القرآن، قاله مقاتل. والثاني: هذه السورة، قاله الفراء «والتذكرة» بمعنى التذكير {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} مفسر في آخر [المدثر:٥٥] ثم أخبر بجلالة القرآن عنده، فقال تعالى: {فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} أي هو في صحف، أي: في كتب مكرمة وفيها قولان. احدهما: أنها اللوح المحفوظ، قاله مقاتل. والثاني: كتب الأنبياء، ذكره الثعلبي. فعلى هذا يكون معنى «مرفوعة» عالية القدر. وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء. وفي معنى «المطهرة» أربعة أقوال: أحدها: مطهرة من أن تنزل على المشركين، قاله الحسن. والثاني: مطهرة من الشرك والكفر، قاله مقاتل. والثالث: لأنه لا يمسها إلا المطهرون، قاله الفراء. والرابع: مطهرة من الدنس، قاله يحيى بن سلام. قوله تعالى: {بِأَيْدِى سَفَرَةٍ} فيهم قولان: احدهما: أنهم الملائكة، قاله الجمهور. والثاني: أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، قاله وهب بن منبه. وفي معنى سفرة ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم الكتبة قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج. قال الزجاج:واحدهم: سافر، وسفرة، مثل كاتب، وكتبة، وكافر وكفرة، وإنما قيل للكتاب: سفر وللكاتب: سافر، لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه. يقال أسفر الصبح: إذا أضاء. وسفرت المرأة. إذا كشفت النقاب عن وجهها. ومنه سفرت بين القوم، أي: كشفت ما في قلب هذا وقلب هذا لأصلح بينهم. والثاني: أنهم القراء، قاله قتادة. والثالث: أنهم السفراء، وهم المصلحون. قال الفراء: تقول العرب: سفرت بين القوم أي: أصلحت بينهم فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي اللّه، كالسفير الذي يصلح بين القوم، قال الشاعر: وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت قوله تعالى: {كِرَامٍ} أي: على ربهم {بَرَرَةٍ} أي: مطيعين قال الفراء: واحد {البررة} في قياس العربية بار، لأن العرب لا تقول: فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل، مثل كافر، وكفرة، وفاجر وفجرة. |
﴿ ١٦ ﴾