٣٩

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون}

قوله تبارك وتعالى: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} لما وعد للّه متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن عقبه بذكر من أعد له العذاب الدائم فقال: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} سواء كانوا من الإنس أو من الجن فهم أصحاب العذاب الدائم.

وأما الكلام في أن العذاب هل يحسن أم لا وبتقدير حسنه فهل يحسن دائما أم لا؟ فقد تقدم الكلام فيه في تفسير قوله: {وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم} (البقرة: ٧) وههنا آخر الآيات الدالة على النعم التي أنعم للّه بها على جميع بني آدم وهي دالة على التوحيد من حيث إن هذه النعم أمور حادثة فلا بد لها من محدث وعلى النبوة من حيث إن محمدا صلى للّه عليه وسلم أخبر عنها موافقا لما كان موجودا في التوراة والإنجيل من غير تعلم ولا تلمذة لأحد قدر وعلى المعاد من حيث إن من قدر على خلق هذه الأشياء ابتداء على خلقها إعادة وبللّه التوفيق.

القول في النعم الخاصة ببني إسرائيل اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أقام دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أولا ثم عقبها بذكر الإنعامات العامة لكل البشر عقبها بذكر الإنعامات الخاصة على أسلاف اليهود كسرا لعنادهم ولجاجهم بتذكير النعم السالفة واستمالة لقلوبهم بسببها وتنبيها على ما يدل على نوبة محمد صلى للّه عليه وسلم من حيث كونها إخبارا عن الغيب.

واعلم أنه سبحانه ذكرهم تلك النعم أولا على سبيل الإجمال فقال: {خالدون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم} وفرع على تذكيرها الأمر بالإيمان بمحمد صلى للّه عليه وسلم فقال: {وءامنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم} ثم عقبها بذكر الأمور التي تمنعهم عن الإيمان به، ثم ذكرهم تلك النعم على سبيل الإجمال ثانيا بقوله مرة أخرى: {خالدون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم} تنبيها على شدة غفلتهم، ثم أردف هذا التذكير بالترغيب البالغ بقوله: {وأنى فضلتكم على العالمين} (البقرة: ٤١) مقرونا بالترهيب البالغ بقوله: {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا} (البقرة: ٤٨) إلى آخر الآية.

ثم شرع بعد ذلك في تعديد تلك النعم على سبيل التفصيل ومن تأمل وأنصف علم أن هذا هو النهاية في حسن الترتيب لمن يريد الدعوة وتحصيل الاعتقاد في قلب المستمع.

وإذ قد حققنا هذه المقدمة فلنتكلم الآن في التفير بعون للّه .

﴿ ٣٩