٣٤

أما قوله تعالى: {ذرية بعضها من بعض} ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: في نصب قوله {ذرية} وجهان

الأول: أنه بدل من آل إبراهيم

والثاني: أن يكون نصبا على الحال، أي اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض.

المسألة الثانية: في تأويل الآية وجوه

الأول: ذرية بعضها من بعض في التوحيد والإخلاص والطاعة، ونظيره

قوله تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} (التوبة: ٦٧) وذلك بسبب اشتراكهم في النفاق

والثاني: ذرية بعضها من بعض بمعنى أن غير آدم عليه السلام كانوا متولدين من آدم عليه السلام، ويكون المراد بالذرية من سوى آدم.

أما قوله تعالى: {واللّه سميع عليم} فقال القفال: المعنى واللّه سميع لأقوال العباد، عليم بضمائرهم وأفعالهم، وإنما يصطفى من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا، ونظيره

قوله تعالى: {اللّه أعلم حيث يجعل} (الأنعام: ١٢٤) وقوله {زوجه إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: ٩٠) وفيه وجه آخر: وهو أن اليهود كانوا يقولون: نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران، فنحن أبناء اللّه وأحباؤه، والنصارى كانوا يقولون: المسيح ابن اللّه، وكان بعضهم عالما بأن هذا الكلام باطل، إلا أنه لتطييب قلوب العوام بقي مصرا عليه، فاللّه تعالى كأنه يقول: واللّه سميع لهذه الأقوال الباطلة منكم، عليم بأغراضكم الفاسدة من هذه الأقوال فيجازيكم عليها، فكان أول الآية بيانا لشرف الأنبياء والرسل، وآخرها تهديدا لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم. واعلم أنه تعالى ذكر عقيب هذه الآية قصصا كثيرة: القصة الأولى واقعة حنة أم مريم عليهما السلام

﴿ ٣٤