١٣٠

{ياأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا اللّه لعلكم تفلحون }.

اعلم أن من الناس من قال: انه تعالى لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بارشادهم إلى الأصلح لهم في أمر الدين وفي أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهي والترغيب والتحذير فقال: {رحيم ياأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا} وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية ابتداء كلام ولا تعلق لها بما قبلها، وقال القفال رحمه اللّه: يحتمل أن يكون ذلك متصلا بما تقدم من جهة أن المشركين إنما أنفقوا على تلك العساكر أموالا جمعوها بسبب الربا، فلعل ذلك يصير داعيا للمسلمين إلى الاقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على العسكر فيتمكنون من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم اللّه عن ذلك وفي قوله: {أضعافا مضاعفة} مسألتان:

المسألة الأولى: كان الرجل في الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل، فاذا جاء الأجل ولم يكن المديون واجدا لذلك المال قال زد في المال حتى أزيد في الأجل فربما جعله مائتين، ثم إذا حل الأجل الثاني فعل ذلك، ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله: {أضعافا مضاعفة}.

المسألة الثانية: انتصب {أضعافا} على الحال.

ثم قال تعالى: {واتقوا اللّه لعلكم تفلحون}.

اعلم أن اتقاء اللّه في هذا النهي واجب، وأن الفلاح يتوقف عليه، فلو أكل ولم يتق زال الفلاح وهذا تنصيص على أن الربا من الكبائر لا من الصغائر وتفسير قوله: {لعلكم} تقدم في سورة البقرة في قوله: {اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} وتمام الكلام في الربا أيضا مر في سورة البقرة.

﴿ ١٣٠