١٦٢

{أفمن اتبع رضوان اللّه كمن بآء بسخط من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير}.

اعلم أنه تعالى لما قال: {ثم توفى كل نفس ما كسبت} (البقرة: ٢٨١، آل عمران: ١٦١) أتبعه بتفصيل هذه الجملة، وبين ان جزاء المطيعين ما هو، وجزاء المسيئين ما هو، فقال: {أفمن اتبع رضوان اللّه} وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: للمفسرين فيه وجوه:

الأول: {أفمن اتبع رضوان اللّه} في ترك الغلول {كمن باء بسخط من اللّه} في فعل الغلول، وهو قول الكلبي والضحاك.

الثاني: أفمن اتبع رضوان اللّه بالايمان به والعمل بطاعته، كمن باء بسخط من اللّه بالكفر به والاشتغال بمعصيته، الثالث: {أفمن اتبع رضوان اللّه} وهم المهاجرون، {كمن باء بسخط من اللّه} وهم المنافقون،

الرابع: قال الزجاج: لما حمل المشركون على المسلمين دعا النبي صلى اللّه عليه وسلم أصحابه الى أن يحملوا على المشركين، ففعله بعضهم وتركه آخرون.

فقال: {أفمن اتبع رضوان اللّه} وهم الذين امتثلوا أمره {كمن باء بسخط من اللّه} وهم الذين لم يقبلوا قوله، وقال القاضي: كل واحد من هذه الوجوه صحيح، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه {أفمن اتبع رضوان اللّه} وكل من أخلد الى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله: {كمن باء بسخط من اللّه} أقصى ما في الباب أن الآية نازلة في واقعة معينة، لكنك تعلم أن عموم اللفظ لا يبطل لأجل خصوص السبب.

المسألة الثانية: قوله: {أفمن اتبع} الهمزة فيه للانكار، والفاء للعطف على محذوف تقديره: أمن اتقى فاتبع رضوان اللّه.

المسألة الثالثة: قوله: {باء بسخط} أي احتمله ورجع به، وقد ذكرناه في سورة البقرة.

المسألة الرابعة: قرأ عاصم في إحدى الروايتين عنه: {رضوان اللّه} بضم الراء، والباقون بالكسر وهما مصدران، فالضم كالكفران، والكسر كالحسبان.

المسألة الخامسة: قوله: {ومأواه جهنم} من صلة ما قبله والتقدير: كمن باء بسخط من اللّه وكان مأواه جهنم، فأما قوله: {وبئس المصير} فمنقطع عما قبله وهو كلام مبتدأ، كأنه لما ذكر جهنم أتبعه بذكر صفتها.

المسألة السادسة: نظير هذه الآية قوله تعالى: {ما يحكمون وخلق اللّه السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا} (الجاثية: ٢١)

وقوله: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} (السجدة: ١٨)

وقوله: {أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الارض أم نجعل المتقين كالفجار} (ص: ٢٨)

واحتج القوم بهذه الآية على أنه لا يجوز من اللّه تعالى أن يدخل المطيعين في النار، وأن يدخل المذنبين الجنة، وقالوا: انه تعالى ذكر ذلك على سبيل الاستبعاد، ولولا أنه ممتنع في العقول، والا لما حسن هذا الاستبعاد، وأكد القفال ذلك فقال: لا يجوز في الحكمة أن يسوى المسيء بالمحسن، فان فيه إغراء بالمعاصي وإباحة لها وإهمالا للطاعات.

﴿ ١٦٢