١٦{من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين}. في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي {يصرف} بفتح الياء وكسر الراء. وفاعل الصرف على هذه القراءة والضمير العائد إلى ربي من قوله {إنى أخاف إن عصيت ربى} (الأنعام: ١٥) والتقدير: من يصرف هو عنه يومئذ العذاب. وحجة هذه القراءة قوله {فقد رحمه} فلما كان هذا فعلا مسندا إلى ضمير اسم اللّه تعالى وجب أن يكون الأمر في تلك اللفظة الأخرى على هذا الوجه ليتفق الفعلان، وعلى هذا التقدير: صرف العذاب مسندا إلى اللّه تعالى، وتكون الرحمة بعد ذلك مسندة إلى اللّه تعالى، وأما الباقون فإنهم قرؤا {من يصرف عنه} على فعل ما لم يسم فاعله، والتقدير من يصرف عنه عذاب يومئذ وإنما حسن ذلك لأنه تعالى أضاف الغذاب إلى اليوم في قوله {عذاب يوم عظيم} (الإنعام: ١٥) فلذلك أضاف الصرف إليه. والتقدير: من يصرف عنه عذاب ذلك اليوم. المسألة الثانية: ظاهر الآية يقتضي كون ذلك اليوم مصروفا وذلك محال، بل المراد عذاب ذلك اليوم، وحسن هذا الحذف لكونه معلوما. المسألة الثالثة: دلت الآية على أن الطاعة لا توجب الثواب، والمعصية لا توجب العقاب لأنه تعالى قال: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} أي كل من صرف اللّه عنه العذاب في ذلك اليوم فقد رحمه. وهذا إنما يحسن لو كان ذلك الصرف واقعا على سبيل التفضل أما لو كان واجبا مستحقا لم يحسن أن يقال فيه إنه رحمه ألا ترى أن الذي يقبح منه أن يضرب العبد، فإذا لم يضربه لا يقال إنه رحمه. أما إذا حسن منه أن يضربه ولم يضربه فإنه يقال إنه رحمه، فهذه الآية تدل على أن كل عقاب انصرف وكل ثواب حصل، فهو ابتداء فضل وإحسان من اللّه تعالى وهو موافق لما يروى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته" ووضع يده فوق رأسه، وطول بها صوته. المسألة الرابعة: قال القاضي: الآية تدل على أن من لم يعاقب في الآخرة ممن يصرف عنه العقاب، فلا بد من أن يثاب وذلك يبطل قول من يقول: إن فيمن يصرف عنه العقاب من المكلفين من لا يثاب، لكنه يتفضل عليه. فإن قيل: أليس من لم يعاقبه اللّه تعالى ويتفضل عليه فقد حصل له الفوز المبين وذلك يبطل دلالة الآية على قولكم؟ قلنا: هذا الذي ذكرتموه مدفوع من وجوه: الأول: أن التفضل يكون كالابتداء من قبل اللّه تعالى، وليس يكون ذلك مطلوبا من الفعل والفوز هو الظفر بالمطلوب، فلا بد وأن يفيد أمرا مطلوبا. والثاني: أن الفوز المبين لا يجوز حمله على التفضل بل يجب حمله على ما يقتضي مبالغة في عظم النعمة، وذلك لا يكون إلا ثوابا. والثالث: أن الآية معطوفة على قوله {إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم} (الأنعام: ١٥) والمقابل للعذاب هو الثواب، فيجب حمل هذه الرحمة على الثواب. واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف جدا وضعفه ظاهر فلا حاجة فيه إلى الاستقصاء واللّه أعلم. |
﴿ ١٦ ﴾