١١٣{ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة} متعلق بقوله: {يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} والتقدير أن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول ليغروا بذلك {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا} الذنوب ويكون المراد أن مقصود الشياطين من ذلك الإيحاء هو مجموع هذه المعاني. فهذا جملة ما ذكروه في هذا الباب. أما الوجه الأول: وهو الذي عول عليه الحبائي فضعيف من وجوه ذكرها القاضي. فأحدها: أن "الواو" في قوله: {ولتصغى} تقتضي تعلقه بما قبله فحمله على الابتداء بعيد. وثانيها: أن "اللام" في قوله: {ولتصغى} لام كي فيبعد أن يقال: إنها لام الأمر ويقرب ذلك من أن يكون تحريفا لكلام اللّه تعالى وأن لا يجوز. وأما الوجه الثاني: وهو أن يقال: هذه اللام لام العاقبة فهو ضعيف، لأنهم أجمعوا على أن هذا مجاز وحمله على "كي" حقيقة فكان قولنا أولى. وأما الوجه الثالث: وهو الذي ذكره أبو مسلم فهو أحسن الوجوه المذكورة في هذا الباب: لأنا نقول: إن قوله: {يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} يقتضي أن يكون الغرض من ذلك الإيحاء هو التغرير. وإذا عطفنا عليه قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون} فهذا أيضا عين التغرير لا معنى التغرير، إلا أنه يستميله إلى ما يكون باطنه قبيحا. وظاهره حسنا، وقوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون} عين هذه الاستمالة فلو عطفنا لزم أن يكون المعطوف عين المعطوف عليه وأنه لا يجوز، أما إذا قلنا: تقدير الكلام وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من شأنه أن يوحي زخرف القول لأجل التغرير وإنما جعلنا مثل هذا الشخص عدوا للنبي لتصغى إليه أفئدة الكفار، فيبعدوا بذلك السبب عن قبول دعوة ذلك النبي، وحينئذ لا يلزم على هذا التقدير عطف الشيء على نفسه. فثبت أن ما ذكرناه أولى. المسألة الثالثة: زعم أصحابنا أن البنية ليست مشروطا للحياة، فالحي هو الجزء الذي قامت به الحياة، والعالم هو الجزء الذي قام به العلم، وقالت المعتزلة: الحي والعالم هو الجملة "لا" ذلك الجزء. إذا عرفت هذا فنقول: احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم، لأنه قال تعالى: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون} فجعل الموصوف بالميل والرغبة هو القلب، لا جملة الحي، وذلك يدل على قولنا. المسألة الرابعة: الذين قالوا الإنسان شيء مغاير للبدن اختلفوا. منهم من قال: المتعلق الأول هو القلب، وبواسطته تتعلق النفس بسائر الأعضاء كالدماغ والكبد. ومنهم من قال: القلب متعلق النفس الحيوانية، والدماغ متعلق النفس الناطقة، والكبد متعلق النفس الطبيعية، والأولون تعلقوا بهذه الآية، فإنه تعالى جعل محل الصغو الذي هو عبارة عن الميل والإرادة؛ القلب، وذلك يدل على أن المتعلق بالنفس القلب. المسألة الخامسة: الكناية في قوله: {ولتصغى إليه أفئدة} عائدة إلى زخرف القول، وكذلك في قوله: {وليرضوه}. وأما قوله: {وليقترفوا ما هم مقترفون} فاعلم أن الاقتراف هو الاكتساب، يقال في المثل: الاعتراف يزيل الاقتراف، كما يقال: التوبة تمحو الحوبة. وقال الزجاج: {*ليقترفوا} أي ليختلفوا وليكذبوا، والأول أصح. |
﴿ ١١٣ ﴾