١١٤{أفغير اللّه أبتغى حكما وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا ...}. فيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم أقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، أجاب عنه بأنه لا فائدة في إظهار تلك الآيات، لأنه تعالى لو أظهرها لبقوا مصرين على كفرهم. ثم إنه تعالى بين في هذه الآية أن الدليل الدال على نبوته قد حصل وكمل، فكان ما يطلبونه طلبا للزيادة. وذلك مما لا يجب الالتفات إليه، وإنم قلنا: إن الدليل الدال على نبوته قد حصل لوجهين: الوجه الأول: أن اللّه قد حكم بنبوته من حيث إنه أنزل إليه الكتاب المفصل المبين المشتمل على العلوم الكثيرة والفصاحة الكاملة، وقد عجز الخلق عن معارضته. فظهور مثل هذا المعجز عليه يدل عى أنه تعالى قد حكم بنبوته، فقوله: {مقترفون أفغير اللّه أبتغى حكما} يعني قل يا محمد: إنكم تتحكمون في طلب سائر المعجزات، فهل يجوز في العقل أن يطلب غير اللّه حكما؟ فإن كل أحد يقول إن ذلك غير جائز. ثم قل: إنه تعالى حكم بصحة نبوتي حيث خصني بمثل هذا الكتاب المفصل الكامل البالغ إلى حد الإعجاز. والوجه الثاني: من الأمور الدالة على نبوته؛ اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على أن محمدا عليه الصلاة والسلام رسول حق، وعلى أن القرآن كتاب حق من عند اللّه تعالى، وهو المراد من قوله: {والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} (الأنعام: ١١٤) وبالجملة فالوجهان مذكوران في قوله تعالى: {قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} (الرعد: ٤٣). أما قوله تعالى في آخر الآية: {فلا تكونن من الممترين} ففيه وجوه: الأول: أن هذا من باب التهييج والإلهاب كقوله: {ولا تكونن من المشركين} والثاني: التقدير {فلا تكونن من الممترين} في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق. والثالث: يجوز أن يكون قوله: {فلا تكونن} خطابا لكل واحد والمعنى أنه لما ظهرت الدلائل فلا ينبغي أن يمتري فيها أحد. الرابع: قيل هذا الخطاب وإن كان في الظاهر للرسول إلا أن المراد منه أمته. المسألة الثانية: قوله: {والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق} قرأ ابن عامر وحفص {منزل} بالتشديد والباقون بالتخفيف، والفرق بين التنزيل والإنزال قد ذكرناه مرارا. المسألة الثالثة: قال الواحدي: {أفغير اللّه أبتغى حكما} الحكم والحاكم واحد عند أهل اللغة، غير أن بعض أهل التأويل قال الحكم أكمل من الحاكم لأن الحاكم كل من يحكم. وأما الحكم فهو الذي لا يحكم إلا بالحق والمعنى أنه تعالى حكم حق لا يحكم إلا بالحق. فلما أظهر المعجز الواحد وهو القرآن فقد حكم بصحة هذه النبوة، ولا مرتبة فوق حكمه فوجب القطع بصحة هذه النبوة. فأما أنه هل يظهر سائر المعجزات أم لا؟ فلا تأثير له في هذا الباب بعد أن ثبت أنه تعالى حكم بصحة هذه النبوة بواسطة إظهار المعجز الواحد. |
﴿ ١١٤ ﴾