١٠

{ولقد مكناكم فى الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون}.

في الآية مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما أمر الخلق بمتابعة الأنبياء عليهم السلام، وبقبول دعوتهم ثم خوفهم بعذاب الدنيا، وهو قوله: {وكم من قرية أهلكناها} (الأعراف: ٤) ثم خوفهم بعذاب الآخرة من وجهين:

أحدهما: السؤال؛ وهو قوله: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم} (الأعراف: ٦)

والثاني: بوزن الأعمال، وهو قوله: {والوزن يومئذ الحق} (الأعراف: ٨) رغبهم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام في هذه الآية بطريق آخر وهو أنه كثرت نعم اللّه عليهم، وكثرة النعم توجب الطاعة، فقال: {ولقد مكناكم فى الارض وجعلنا لكم فيها معايش} فقوله: {مكناكم فى الارض} أي جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا ومكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم فيها معايش، والمراد من المعايش: وجوه المنافع وهي على قسمين، منها ما يحصل بخلق اللّه تعالى ابتداء مثل خلق الثماء وغيرها، ومنها ما يحصل بالاكتساب وكلاهما في الحقيقة إنما حصل بفضل اللّه وإقداره وتمكينه، فيكون الكل إنعاما من اللّه تعالى، وكثرة الانعام لا شك أنها توجب الطاعة والانقياد، ثم بين تعالى أنه مع هذا الإفضال والانعام عالم بأنهم لا يقومون بشكره كما ينبغي، فقال: {قليلا ما تشكرون} وهذا يدل على أنهم قد يشكرون والأمر كذلك، وذلك لأن الإقرار بوجود الصانع كالأمر الضروري اللازم لجبلة عقل كل عاقل، ونعم اللّه على الإنسان كثيرة، فلا إنسان إلا ويشكر اللّه تعالى في بعض الأوقات على نعمه، إنما التفاوت في أن بعضهم قد يكون كثير الشكر، وبعضهم يكون قليل الشكر.

المسألة الثانية: روى خارجة عن نافع أنه همز {*معائش} قال الزجاج: جميع النحويين البصريين يزعمون أن همز {*معائش} خطأ، وذكروا أنه إنما يجوز جعل الياء همزة إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف، فأما {فيها معايش} فمن العيش، والياء أصلية، وقراءة نافع لا أعرف لها وجها، إلا أن لفظة هذه الياء التي هي من نفس الكلمة أسكن في معيشة فصارت هذه الكلمة مشابهة لقولنا صحيفة، فجعل قوله: {*معائش} شبيها لقولنا صحائف فكما أدخلوا الهمزة في قولنا: ـ صحائف ـ فكذا في قولنا معائش على سبيل التشبيه، إلا أن الفرق ما ذكرناه أن الياء في ـ معيشة ـ أصلية وفي ـ صحيفة ـ زائدة.

{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين}.

وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى رغب الأمم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام بالتخويف أولا ثم بالترغيب ثانيا على ما بيناه، والترغيب إنما كان لأجل التنبيه على كثرة نعم اللّه تعالى على الخلق، فبدأ في شرح تلك النعم بقوله: {يظلمون ولقد مكناكم فى الارض وجعلنا لكم فيها معايش} ثم أتبعه بذكر أنه خلق أبانا آدم وجعله مسجودا للملائكة، والإنعام على الأب يجري مجرى الإنعام على الابن فهذا هو وجه النظم في هذه الآيات، ونظيره أنه تعالى قال في أول سورة البقرة: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتا فأحياكم} (البقرة: ٢٨) فمنع تعالى من المعصية بقوله: {كيف تكفرون باللّه} وعلل ذلك المنع بكثرة نعمه على الخلق، وهو أنهم كانوا أمواتا فأحياهم، ثم خلق لهم ما في الأرض جميعا من المنافع، ثم أتبع تلك المنفعة بأن جعل آدم خليفة في الأرض مسجودا للملائكة، والمقصود من الكل تقرير أن مع هذه النعم العظيمة لا يليق بهم التمرد والجحود فكذا في هذه السورة ذكر تعالى عين هذا المعنى بغير هذا الترتيب فهذا بيان وجه النظم على أحسن الوجوه:

المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى ذكر قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في القرآن في سبعة مواضع: أولها: في سورة البقرة،

وثانيها: في هذه السورة،

وثالثها: في سورة الحجر،

ورابعها: في سورة بني إسرائيل،

وخامسها: في سورة الكهف،

وسادسها: في سورة طه،

وسابعها: في سورة ص. إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية سؤال، وهو أن قوله تعالى:

﴿ ١٠