٩٤{ومآ أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأسآء والضرآء لعلهم يضرعون}. اعلم أنه تعالى لما عرفنا أحوال هؤلاء الأنبياء، وأحوال ما جرى على أممهم، كان من الجائز أن يظن أنه تعالى ما أنزل عذاب الاستئصال، إلا في زمن هؤلاء الأنبياء فقط، فبين في هذه الآية أن هذا الجنس من الهلاك قد فعله بغيرهم، وبين العلة التي بها يفعل ذلك: قال تعالى: {كافرين وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء} وإنما ذكر القرية لأنها مجتمع القوم الذين إليهم يبعث الرسل، ويدخل تحت هذا اللفظ المدينة، لأنها مجتمع الأقوام وقوله: {من نبى} فيه حذف وإضمار، والتقدير: من نبي فكذب أو كذبه أهلها، إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء. قال الزجاج: البأساء كل ما نالهم من الشدة في أحوالهم، والضراء ما نالهم من الأمراض. وقيل على العكس، ثم بين تعالى أنه يفعل ذلك لكي يضرعوا، معناه: يتضرعوا، والتضرع هو الخضوع والانقياد للّه تعالى، ولما علمت أن قوله: {لعلهم} لا يمكن حمله على الشك في حق اللّه تعالى، وجب حمله على أن المراد أنه تعالى فعل هذا الفعل لكي يتضرعوا. قالت المعتزلة: وهذا يدل على أنه تعالى أراد من كل المكلفين الإيمان والطاعة. وقال أصحابنا: لما ثبت بالدليل أن تعليل أفعال اللّه وأحكامه محال وجب حمل الآية على أنه تعالى فعل، ما لو فعله غيره لكان ذلك شبيها بالعلة والغرض، ثم بين تعالى أن تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد، وإنما يدبرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب فقال: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} (الأعراف: ٩٥) لأن ورود النعمة في البدن والمال بعد البأساء والضراء، يدعو إلى الانقياد والاشتغال بالشكر، ومعنى الحسنة والسيئة ههنا الشدة والرخاء. |
﴿ ٩٤ ﴾