٣٢

وَإِذْ قَالُوا اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء...

 أما مجرد هذا القول فلا فائدة فيه. والشبهة الثانية: لهم قولهم: {اللّهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} أي بنوع آخر من العذاب أشد من ذلك وأشق منه علينا.

فإن قيل: هذا الكلام يوجب الإشكال من وجهين:

الأول: أن قوله {اللّهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} حكاه اللّه عن الكفار، وكان هذا كلام الكفار وهو من جنس نظم القرآن فقد حصلت المعارضة في هذا القدر، وأيضا حكى عنهم أنهم قالوا في سورة بني إسرائيل: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا} (الإسراء: ٩٠) وذلك أيضا كلام الكفار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن ومعارضته، وذلك يدل على حصول المعارضة.

الثاني: أن كفار قريش كانوا معترفين بوجود الإله وقدرته وحكمته وكانوا قد سمعوا التهديد الكثير من محمد عليه الصلاة والسلام في نزول العذاب،

فلو كان نزول القرآن معجزا لعرفوا كونه معجزا لأنهم أرباب الفصاحة والبلاغة، ولو عرفوا ذلك لكان أقل الأحوال أن يصيروا شاكين في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ولو كانوا كذلك لما أقدموا عى قولهم: {اللّهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} لأن المتوقف الشاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة، وحيث أتوا بهذه المبالغة، علمنا أنه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.

والجواب عن الأول: أن الإتيان بهذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة

لأن هذا المقدار كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة، وهذا الجواب لا يتمشى إلا إذا قلنا التحدي ما وقع بجميع السور، وإنما وقع بالسورة الطويلة التي يظهر فيها قوة الكلام.

والجواب عن الثاني: هب أنه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجز إلا أنه لما كان معجزا في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال فيه.

المسألة الثانية: قوله: {اللّهم إن كان هاذا هو الحق من عندك} قال الزجاج: القراءة بنصب {الحق} على خبر {كان} ودخلت {هو} للفصل ولا موضع لها، وهي بمنزلة "ما" المؤكدة ودخلت ليعلم أن قوله: {الحق} ليس بصفة لهذا وأنه خبر.

قال: ويجوز هو الحق رفعا ولا أعلم أحدا قرأ بها ولا خلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سنة، وروى صاحب "الكشاف" عن الأعمش أنه قرأ بها.

واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى، وهو قوله: {لو نشاء لقلنا مثل هاذا} ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية،

﴿ ٣٢