| ٥١ثم قال تعالى: {ذالك بما قدمت أيديكم} قيل هذا إخبار عن قول الملائكة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي: يجوز أن يقال ذلك مبتدأ، وخبره قوله: {بما قدمت أيديكم} ويجوز أن يكون محل ذلك نصبا، والتقدير: فعلنا ذلك بما قدمت أيديكم. المسألة الثانية: المراد من قوله: {ذالك} هذا أي هذا العذاب الذي هو عذاب الحريق، حصل بسبب ما قدمت أيديكم، وذكرنا في قوله: {الم * ذالك الكتاب} أن معناه هذا الكتاب وهذا المعنى جائز. المسألة الثالثة: ظاهر قوله: {ذالك بما قدمت} يقتضي أن فاعل هذا الفعل هو اليد، وذلك ممتنع من وجوه: أحدها: أن هذا العذاب إنما وصل إليهم بسبب كفرهم، ومحل الكفر هو القلب لا اليد. وثانيها: أن اليد ليست محلا للمعرفة والعلم، فلا يتوجه التكليف عليها، فلا يمكن إيصا العذاب إليها، فوجب حمل اليد ههنا على القدرة، وسبب هذا المجازان اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل، فحسن جعل اليد كناية عن القدرة. واعلم أن التحقيق أن الإنسان جوهر واحد وهو الفعل وهو الدراك وهو المؤمن وهو الكافر وهو المطيع والعاصي، وهذه الأعضاء آلات له وأدوات له في الفعل فأضيف الفعل في الظاهر إلى الآلة، وهو في الحقيقة مضاف إلى جوهر ذات الإنسان. المسألة الرابعة: قوله: {بما قدمت أيديكم} يقتضي أن ذلك العقاب كالأمر المتولد من الفعل الذي صدر عنه، وقد عرفت أن العقاب إنما يتولد من العقائد الباطلة التي يكتبها الإنسان، ومن الملكات الراسخة التي يكتسبها الإنسان، فكان هذا الكلام مطابقا للمعقول. ثم قال تعالى: {وأن اللّه ليس بظلام للعبيد} وفيه مسائل: المسألة الأولى: في محل أن وجهان: أحدهما: النصب بنزع الخافض يعني بأن اللّه: والثاني: أنك إن جعلت قوله: {ذالك} في موضع رفع جعلت أن في موضع رفع أيضا، بمعنى وذلك أن اللّه قال الكسائي ولو كسرت ألف أن على الابتداء كان صوابا، وعلى هذا التقدير: يكون هذا كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله. المسألة الثانية: قالت المعتزلة: لو كان تعالى يخلق الكفر في الكافر، ثم يعذبه عليه لكان ظالما، وأيضا قوله تعالى: {ذالك بما قدمت أيديكم وأن اللّه ليس بظلام للعبيد} يدل على أنه تعالى إنما لم يكن ظالما بهذا العذاب، لأنه قدم ما استوجب عليه هذا العذاب، وذلك يدل على أنه لو لم يصدر منه ذلك التقديم لكان اللّه تعالى ظالما في هذا العذاب، فلو كان الموجد للكفر والمعصية هو اللّه لا العبد لوجب كون اللّه ظالما، وأيضا تدل هذه الآية على كونه قادرا على الظلم، إذ لو لم يصح منه لما كان في التمدح بنفيه فائدة. واعلم أن هذه المسألة قد سبق ذكرها على الاستقصاء في سورة آل عمران، فلا فائدة في الإعادة. واللّه أعلم | 
﴿ ٥١ ﴾