٥٣

فقال: {ذالك بأن اللّه لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قوله: {لم يك} أكثر النحويين يقولون إنما حذفت النون.

لأنها لم تشبه الغنة المحضة، فأشبهت حروف اللين ووقعت طرفا، فحذفت تشبيها بها كما تقول لم يدع ولم يرم ولم يل وقال الواحدي: وهذا ينتقض بقولهم لم يزن ولم يخن فلم يسمع حذف النون ههنا.

وأجاب علي بن عيسى عنه. فقال إن كان ويكون أم الأفعال من أجل أن كل فعل قد حصل فيه معنى كان فقولنا ضرب معناه كان ضرب ويضرب معناه يكون ضرب، وهكذا القول في الكل فثبت أن هذه الكلمة أم الأفعال.

فاحتيج إلى استعمالها في أكثر الأوقات، فاحتملت هذا الحذف بخلاف قولنا لم يخن ولم يزن، فإنه لا حاجة إلى ذكرها كثيرا فظهر الفرق. واللّه أعلم.

المسألة الثانية: قال القاضي: معنى الآية أنه تعالى أنعم عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع وتسهيل السبل والمقصود أن يشتغلوا بالعبادة والشكر ويعدلوا عن الكفر، فإذا صرفوا هذه الأحوال إلى الفسق والكفر، فقد غيروا نعمة اللّه تعالى على أنفسهم، فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن قال: وهذا من أوكد ما يدل على أنه تعالى لا يبتدىء أحدا بالعذاب والمضرة، والذي يفعله لا يكون الأجزاء على معاص سلفت، ولو كان تعالى خلقهم وخلق جسمانهم وعقولهم ابتداء للنار كما يقوله القوم، لما صح ذلك،

قال أصحابنا: ظاهر الآية مشعر بما قاله القاضي الإمام إلا أنا لو حملنا الآية عليه لزم أن يكون صفة اللّه تعالى معللة بفعل الإنسان، وذلك لأن حكم اللّه بذلك التغيير وإرادته لما كان لا يحصل إلا عند إتيان الأنسان بذلك الفعل، فلو لم يصدر عند ذلك الفعل لم يحصل للّه تعالى ذلك الحكم وتلك الإرادة، فحينئذ يكون فعل الإنسان مؤثرا في حدوث صفة في ذات اللّه تعالى، ويكون الإنسان مغيرا صفة اللّه ومؤثرا فيها، وذلك محال في بديهة العقل، فثبت أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره، بل الحق أن صفة اللّه غالبة على صفات المحدثات، فلولا حكمه وقضاؤه أولا لما أمكن للعبد أن يأتي بشيء من الأفعال والأقوال.

﴿ ٥٣