١٢ثم قال: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم} يقال نكث فلان عهده إذا نقضه بعد أحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه، ومنه قوله تعالى: {من بعد قوة أنكاثا} (النحل: ٩٢) والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف والقسم. وقيل: للحلف يمين، وهو اسم اليد لأنهم كانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا أو تحالفوا. وقيل: سمي القسم يمينا ليمين البر فيه. فقوله: {وإن نكثوا أيمانهم} أي نقضوا عهودهم. وفيه قولان: الأول: هو قول الأكثرين إن المراد نكثهم لعهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والثاني: أن المراد حمل العهد على الإسلام بعد الإيمان، فيكون المراد ردتهم بعد الإيمان، ولذلك قرأ بعضهم {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} والأول أولى للقراءة المشهورة، ولأن الآية وردت في ناقضي العهد لأنه تعالى صنفهم صنفين، فإذا ميز منهم من تاب لم يبق إلا من أقام على نقض العهد. وقوله: {وطعنوا فى دينكم} يقال طعنه بالرمح يطعنه وطعن بالقول السيء يطعن. قال الليث: وبعضهم يقول: يطعن بالرمح، ويطعن بالقول: فيفرق بينهما، والمعنى أنهم عابوا دينكم، وقدحوا فيه. ثم قال: {فقاتلوا أئمة الكفر} أي متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {أئمة الكفر} بهمزة واحدة غير ممدودة وتليين الثانية والباقون بهمزتين على التحقيق. قال الزجاج: الأصل في الأئمة أأمة، لأنها جمع إمام، مثل مثال وأمثلة، لكن الميمين إذا اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية، وألقيت حركتها على الهمزة، فصارت أأمة، فأبدلت من المكسورة الياء لكراهة اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة. هذا هو الاختيار عند جميع النحويين. إذا عرفت هذا فنقول: قال صاحب "الكشاف": لفظة "أئمة" همزة بعدها همزة بين بين، والمراد بين مخرج الهمزة والياء. أما بتحقيق الهمزتين فقراءة مشهورة. وإن لم تكن مقبولة عند البصريين. وأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن يكون قراءة، ومن صرح بها فهو لاحن محرف. المسألة الثانية: قوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} معناه قاتلوا الكفار بأسرهم، إلا أنه تعالى خص الأئمة والسادة منهم الذكر، لأنهم هم الذين يحرضون الأتباع على هذه الأعمال الباطلة. المسألة الثالثة: قال الزجاج: هذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام، لأن عهده مشروط بأن لا يطعن، فإن طعن فقد نكث ونقض عهدهم. ثم قال تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} قرأ ابن عامر {لا أيمان لهم} بكسر الألف ولها وجهان: أحدها: لا أمان لهم، أي لا تؤمنوهم. فيكون مصدرا من الإيمان الذي هو ضد الإخافة، والثاني: أنهم كفرة لا إيمان لهم، أي لا تصديق ولا دين لهم، والباقون بفتح الهمزة وهو جمع يمين، ومعناه لا أيمان لهم على الحقيقة. وأيمانهم ليست بأيمان، وبه تمسك أبو حنيفة رحمه اللّه في أن يمين الكافر لا يكون يمينا، وعند الشافعي رحمه اللّه يمينهم يمين، ومعنى هذه الآية عنده: أنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان. والدليل على أن أيمانهم أيمان، أنه تعالى وصفها بالنكث في قوله: {وإن نكثوا أيمانهم} ولو لم يكن منعقدا لما صح وصفها بالنكث. ثم قال تعالى: {لعلهم ينتهون} وهو متعلق بقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعدما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عما هم عليه من الكفر، وهذا من غاية كرم اللّه وفضله على الإحسان.  | 
	
﴿ ١٢ ﴾