١٣{وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنآ أو لتعودن فى ملتنا...} اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأنبياء عليهم السلام، أنهم اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه والاعتماد على حفظه وحياطته، حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا: {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا} والمعنى: ليكونن أحد الأمرين لا محالة أما إخراجكم وأما عودكم إلى ملتنا. والسبب فيه أن أهل الحق في كل زمان يكونون قليلين وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين، فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة. فإن قيل: هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودوا فيها. قلنا: الجواب من وجوه: الوجه الأول: أن أولئك الأنبياء عليهم السلام إنما نشأوا في تلك البلاد وكانوا من تلك القبائل في أول الأمر ما أظهروا المخالفة مع أولئك الكفار، بل كانوا في ظاهر الأمر معهم من غير إظهار مخالفة فالقوم ظنوا لهذا السبب أنهم كانوا في أول الأمر على دينهم فلهذا السبب قالوا: {أو لتعودن فى ملتنا}. الوجه الثاني: أن هذا حكاية كلام الكفار ولا يجب في كل ما قالوه أن يكونوا صادقين فيه فلعلهم توهموا ذلك مع أنه ما كان الأمر كما توهموه. الوجه الثالث: لعل الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل إلا أن المقصود بهذا الخطاب أتباعهم وأصحابهم ولا بأس أن يقال: إنهم كانوا قبل ذلك لوقت على دين أولئك الكفار. الوجه الرابع: قال صاحب "الكشاف": العود بمعنى الصيرورة كثير في كلام العرب. الوجه الخامس: لعل أولئك الأنبياء كانوا قبل إرسالهم على ملة من الملل، ثم إنه تعالى أوحى إليهم بنسخ تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي الأقوام على تلك الشريعة التي صارت منسوخة مصرين على سبيل الكفر، وعلى هذا التقدير فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء أن يعودوا إلى تلك الملة. الوجه السادس: لا يبعد أن يكون المعنى: أو لتعودن في ملتنا، أي إلى ما كنتم عليه قبل إدعاء الرسالة من السكوت عن ذكر معايبة ديننا وعدم التعرض له بالطعن والقدح وعلى جميع هذه الوجوه فالسؤال زائل واللّه أعلم. واعلم أن الكفار لما ذكروا هذا الكلام قال تعالى: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} |
﴿ ١٣ ﴾