١٤{ولنسكننكم الارض من بعدهم} قال صاحب "الكشاف": {لنهلكن الظالمين} حكاية تقتضي إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه، وقرأ أبو حيوة: {*ليهلكن الظالمين وليسكننكم} بالياء اعتبارا لأوحى فإن هذا اللفظ لفظ الغيبة ونظيره قولك أقسم زيد ليخرجن ولأخرجن، والمراد بالأرض {أرض * الظالمين * وديارهم} ونظيره قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها} (الأعراف: ١٣٧). {وأورثكم أرضهم وديارهم} (الأحزاب: ٢٧) وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم : "من آذى جاره أورثه اللّه داره" واعلم أن هذه الآية تدل على أن من توكل على ربه في دفع عدوه كفاه اللّه أمر عدوه. ثم قال تعالى: {ذالك لمن خاف مقامى وخاف وعيد} فقوله ذلك إشارة إلى أن ما قضى اللّه تعالى به من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم أثر ذلك الأمر حق لمن خاف مقامي وفيه وجوه: الأول: المراد موقفي وهو موقف الحساب، لأن ذلك الموقف موقف اللّه تعالى الذي يقف فيه عباده يوم القيامة، ونظيره قوله: {وأما من خاف مقام ربه} (النازعات: ٤٠) وقوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن: ٤٦) الثاني: أن المقام مصدر كالقيامة، يقال: قام قياما ومقاما، قال الفراء: ذلك لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي إياه كقوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} (الرعد: ٣٣). الثالث: {ذالك لمن خاف مقامى} أي إقامتي على العدل والصواب فإنه تعالى لا يقضي إلا بالحق ولا يحكم إلا بالعدل وهو تعالى مقيم على العدل لا يميل عنه ولا ينحرف ألبتة. الرابع: {ذالك لمن خاف مقامى} أي مقام العائذ عندي وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول، الخامس: {ذالك لمن خاف مقامى} أي لم خافني، وذكر المقام ههنا مثل ما يقال: سلام اللّه على المجلس الفلاني العالي والمراد: سلام اللّه على فلان فكذا ههنا. ثم قال تعالى: {وخاف وعيد} قال الواحدي: الوعيد اسم من أوعد إيعادا وهو التهديد. قال ابن عباس: خاف ما أوعدت من العذاب. واعلم أنه تعالى ذكر أولا قوله: {ذالك لمن خاف مقامى} ثم عطف عليه قوله: {وخاف وعيد} فهذا يقتضي أن يكون الخوف من اللّه تعالى مغايرا للخوف من وعيد اللّه، ونظيره: أن حب اللّه تعالى مغاير لحب ثواب اللّه، وهذا مقام شريف عال في أسرار الحكمة والتصديق. |
﴿ ١٤ ﴾