١٥ثم قال: {واستفتحوا} وفيه مسألتان: المسألة الأولى: للاستفتاح ههنا معنيان: أحدهما: طلب الفتح بالنصرة، فقوله: {واستفتحوا} أي واستنصروا اللّه على أعدائهم، فهو كقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} (الأنفال: ١٩). والثاني: الفتح الحكم والقضاء، فقول ربنا: {واستفتحوا} أي واستحكموا وسألوه القضاء بينهم، وهو مأخوذ من الفتاحة وهي الحكومة كقوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} (الأعراف: ١٩). إذا عرفت هذا فنقول: كلا القولين ذكره المفسرون. أما على القول الأول فالمستفتحون هم الرسل، وذلك لأنهم استنصروا اللّه ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم: {قال نوح رب * لا تذر على الارض من الكافرين ديارا} (نوح: ٢٦) وقال موسى: {ربنا اطمس} (يونس: ٨٨) الآية. وقال لوط: {رب انصرنى على القوم المفسدين} (العنكبوت: ٣٠) وأما على القول الثالث: وهو طلب الحكمة والقضاء فالأولى أن يكون المستفتحون هم الأمم وذلك أنهم قالوا: اللّهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا، ومنه قول كفار قريش: {اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} (الأنفال: ٣٢). وكقول آخرين {ائتنا بعذاب اللّه إن كنت من الصادقين} (العنكبوت: ٢٩). المسألة الثانية: قال صاحب "الكشاف": قوله: {واستفتحوا} معطوف على قوله: {فأوحى إليهم} وقرىء واستفتحوا بلفظ الأمر وعطفه على قوله: {لنهلكن} أي أوحى إليهم ربهم، وقال لهم: {لنهلكن} وقال لهم {*استفتحوا}. ثم قال تعالى: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إن قلنا: المستفتحون هم الرسل، كان المعنى أن الرسل استفتحوا فنصروا وظفروا بمقصودهم وفازوا {وخاب كل جبار عنيد} وهم قومهم؛ وإن قلنا: المستفتحون هم الكفرة، فكان المعنى: أن الكفار استفتحوا على الرسل ظنا منهم أنهم على الحق والرسل على الباطل {وخاب كل جبار عنيد} منهم وما أفلح بسبب استفتاحه على الرسل. المسألة الثانية: الجبار ههنا المتكبر على طاعة اللّه وعبادته. ومنه قوله تعالى: {ولم يكن جبارا عصيا} (مريم: ١٤) قال أبو عبيدة عن الأحمر: يقال فيه جبرية وجبروة وجبروت وجبورة، وحكى الزجاج: الجبرية والجبر بكسر الجيم والباء والنجبار والجبرياء. قال الواحدي: فهي ثمان لغات في مصدر الجبار، وفي الحديث أن امرأة حضرت النبي صلى اللّه عليه وسلم فأمرها أمرا فأبت عليه فقال: "دعوها فإنها جبارة" أي مستكبرة، وأما العنيد فقد اختلف أهل اللغة في اشتقاقه، قال النضر بن شميل: العنود الخلاف والتباعد والترك، وقال غيره: أصله من العند وهو الناحية يقال: فلان يمشي عندا، أي ناحية، فمعنى عاند وعند. أخذ في ناحية معرضا، وعاند فلان فلانا إذا جانبه وكان منه على ناحية. إذا عرفت هذا فنقول: كونه جبارا متكبرا إشارة إلى الخلق النفساني وكونه عنيدا إشارة إلى الأثر الصادر عن ذلك الخلق، وهو كونه مجانبا عن الحق منحرفا عنه، ولا شك أن الإنسان الذي يكون خلقه هو التجبر والتكبر وفعله هو العنود وهو الانحراف عن الحق والصدق، كان خائبا عن كل الخيرات خاسرا عن جميع أقسام السعادات. واعلم أنه تعالى لما حكم عليه بالخيبة ووصفه بكونه جبارا عنيدا، وصف كيفية عذابه بأمور: |
﴿ ١٥ ﴾