١٩

واعلم أنه تعالى لما تمم هذا المثال قال: {ألم تر أن اللّه خلق * السماوات والارض بالحق} وفيه مسائل:

المسألة الأولى: وجه النظم أنه تعالى لما بين أن أعمالهم تصير باطلة ضائعة، بين أن ذلك البطلان والإحباط إنما جاء بسبب صدر منهم وهو كفرهم باللّه وإعراضهم عن العبودية فإن اللّه تعالى لا يبطل أعمال المخلصين ابتداء، وكيف يليق بحكمته أن يفعل ذلك وأنه تعالى ما خلق كل هذا العالم إلا لداعية الحكمة والصواب.

المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي: {خالق * السماوات والارض} على اسم الفاعل على أنه خبر أن والسموات والأرض على الإضافة كقوله: {فاطر * السماوات والارض} (إبراهيم: ١٠). {فالق الإصباح} (الأنعام: ٩٥). و {جعل اليل * سكنا} (الأنعام: ٩٦) والباقون خلق على فعل الماضي: {السماء والارض} بالنصب لأنه مفعول.

المسألة الثالثة: قوله: {بالحق} نظير لقوله في سورة يونس: {وما خلق اللّه * ذالك إلا بالحق} (يونس: ٥) ولقوله في آل عمران: {ربنا ما خلقت هذا باطلا} (آل عمران: ١٩١) ولقوله في ص: {وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا} (ص : ٢٧) أما أهل السنة فيقولون إلا بالحق وهو دلالتهما على وجود الصانع وعلمه وقدرته، وأما المعتزلة فيقولون: إلا بالحق، أي لم يخلق ذلك عبثا بل لغرض صحيح.

ثم قال تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} والمعنى: أن من كان قادرا على خلق السموات والأرض بالحق، فبأن يقدر على إفناء قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين وإحيائهم كان أولى، لأن القادر على الأصعب الأعظم بأن يكون قادرا على الأسهل الأضعف أولى.

قال ابن عباس: هذا الخطاب مع كفار مكة، يريد أميتكم يا معشر الكفار، وأخلق قوما خيرا منكم وأطوع منكم.

﴿ ١٩