٨{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} اعلم أنه تعالى لما ذكر منافع الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها في المنافع الضرورية والحاجات الأصلية، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في المنافع التي ليست بضرورية، فقال: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: {والخيل والبغال والحمير} عطف على الأنعام، أي وخلق الأنعام لكذا وكذا، وخلق هذه الأشياء للركوب. وقوله: {وزينة} أي وخلقها زينة، ونظيره قوله تعالى: {زينا السماء الدنيا بمصابيح * وحفظا} (فصلت: ١٢) المعنى: وحفظناها حفظا. قال الزجاج: نصب قوله: {وزينة} على أنه مفعول له. والمعنى: وخالقها للزينة. المسألة الثانية: احتج القائلون بتحريم لحوم الخيل بهذه الآية. فقالوا منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب، فلو كان أكل لحم الخيل جائزا لكان هذا المعنى أولى بالذكر، وحيث لم يذكره اللّه تعالى علمنا أنه يحرم أكله، ويمكن أيضا أن يقوي هذا الاستدلال من وجه آخر. فيقال: إنه تعالى قال في صفة الأنعام: {ومنها تأكلون} (النحل: ٥) وهذه الكلمة تفيد الحصر، فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعام، فوجب أن يحرم أكل لحم الخيل بمقتضى هذا الحصر، ثم إنه تعالى بعد هذا الكلام ذكر الخيل والبغال والحمير وذكر أنها مخلوقة للركوب، فهذا يقتضي أن منفعة الأكل مخصوصة بالأنعام وغير حاصلة في هذه الأشياء، ويمكن الاستدلال بهذه الآية من وجه ثالث وهو أن قوله: {لتركبوها} يقتضي أن تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة هو الركوب والزينة، ولو حل أكلها لما كان تمام المقصود من خلقها هو الركوب، بل كان حل أكلها أيضا مقصودا، وحينئذ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصود، بل يصير بعض المقصود. وأجاب الواحدي بجواب في غاية الحسن فقال: لو دلت هذه الآية على تحريم أكل هذه الحيوانات لكان تحريم أكلها معلوما في مكة لأجل أن هذه السورة مكية، ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدثين أن لحوم الحمر إلهلية حرمت عام خيبر باطلا، لأن التحريم لما كان حاصلا قبل هذا اليوم لم يبق لتخصيص هذا التحريم بهذه الشبهة فائدة، وهذا جواب حسن متين. المسألة الثالثة: القائلون بأن أفعال اللّه تعالى معللة بالمصالح والحكم، احتجوا بظاهر هذه الآية فإنه يقتضي أن هذه الحيوانات مخلوقة لأجل المنفعة الفلانية، ونظيره قوله: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} (إبراهيم: ١) وقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: ٥٦) والكلام فيه معلوم. المسألة الرابعة: لقائل أن يقول لما كان معنى الآية أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير لتركبوها وليجعلها زينة لكم فلم ترك هذه العبارة؟ وجوابه أنه تعالى لو ذكر هذا الكلام بهذه العبارة لصار المعنى أن التزين بها أحد الأمور المعتبرة في المقصود، وذلك غير جائز، لأن التزين بالشيء يورث العجب والتيه والتكبر، وهذه أخلاق مذمومة واللّه تعالى نهى عنها وزجر عنها فكيف يقول إني خلقت هذه الحيوانات لتحصيل هذه المعاني بل قال: خلقها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر، ولكنه غير مقصود بالذات، فهذا هو الفائدة في اختيار هذه العبارة. أو اعلم أنه تعالى لما ذكر أولا: أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعا ضروريا وثانيا: أحوال الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها انتفاعا غير ضروري بقي القسم الثالث من الحيوانات وهي الأشياء التي لا ينتفع الإنسان بها في الغالب فذكرها على سبيل الإجمال فقال: {ويخلق ما لا تعلمون} وذلك لأن أنواعها وأصنافها وأقسامها كثيرة خارجة عن الحد والإحصاء ولو خاض الإنسان في شرح عجائب أحوالها لكان المذكور بعد كتبة المجلدات الكثيرة كالقطرة في البحر فكان أحس الأحوال ذكرها على سبيل الإجمال كما ذكر اللّه تعالى في هذه الآية، وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال: إن على يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع، والبحار السبعة يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر ويغتسل فيزداد نورا إلى نوره وجمالا إلى جماله، ثم ينتفض فيخلق اللّه من كل نقطة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك يدخل منهم كل يوم سبعون ألفا البيت المعمور، وفي الكعبة أيضا سبعون ألفا، ثم لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة. |
﴿ ٨ ﴾