٣

ثم قال: {ذرية من حملنا مع نوح} وفي نصب {ذرية} وجهان:

الوجه الأول: أن يكون نصبا على النداء يعني: يا ذرية من حملنا مع نوح وهذا قول مجاهد لأنه قال: هذا نداء قال الواحدي: وإنما يصح هذا على قراءة من قرأ بالتاء كأنه قيل لهم:

لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة قال قتادة: الناس كلهم ذرية نوح لأنه كان معه في السفينة ثلاثة بنين: سام وحام ويافث فالناس كلهم من ذرية أولئك، فكان قوله: يا ذرية من حملنا مع نوح، قائما مقام قوله: {يذهبكم أيها الناس}.

الوجه الثاني: في نصب قوله: {ذرية} أن الاتخاذ فعل يتعدى إلى مفعولين كقوله: {واتخذ اللّه إبراهيم خليلا} (النساء: ١٢٥) والتقدير: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، ثم إنه تعالى أثنى على نوح فقال: {إنه كان عبدا شكورا} (الإسراء: ٣) أي كان كثير الشكر، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أكل قال: "الحمد للّه الذي أطعمني ولو شاء أجاعني" وإذا شرب قال: "الحمد للّه الذي أسقاني ولو شاء أظمأني" وإذا اكتسى قال: "الحمد للّه الذي كساني ولو شاء أعراني" وإذا احتذى قال: "الحمد للّه الذي حذاني ولو شاء أحفاني" وإذا قضى حاجته قال: "الحمد للّه الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه" وروي أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به فإن وجده محتاجا آثره به.

فإن قيل: قوله: {إنه كان عبدا شكورا} ما وجه ملايمته لما قبله؟

قلنا: التقدير كأنه قال: لا تتخذوا من دوني وكيلا ولا تشركوا بي، لأن نوحا عليه الصلاة والسلام كان عبدا شكورا، وإنما يكون العبد شكورا لو كان موحدا لا يرى حصول شيء من النعم إلا من فضل اللّه وأنتم ذرية قومه فاقتدوا بنوح عليه السلام، كما أن آباءكم اقتدوا به واللّه أعلم.

﴿ ٣