٢أما قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن أبي عبلة محدث بالرفع صفة للمحل. المسألة الثانية: إنما ذكر اللّه تعالى ذلك بيانا لكونهم معرضين، وذلك لأن اللّه تعالى يجدد لهم الذكر وقتا فوقتا ويظهر لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم التنبيه والموعظة لعلهم يتعظون، فما يزيدهم ذلك إلا لعبا واستسخارا. المسألة الثالثة: المعتزلة احتجوا على حدوث القرآن بهذه الآية فقالوا: القرآن ذكر والذكر محدث فالقرآن محدث، بيان أن القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن: {إن هو إلا ذكر للعالمين} (ص: ٨٧) وقوله: {وإنه لذكر لك ولقومك} (الزخرف: ٤٤) وقوله: {ص والقرءان ذى الذكر} (ص: ١) وقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر} (الحجر: ٩) وقوله: {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} (يس: ٦٩) وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} (الأنبياء: ٥) وبيان أن الذكر محدث قوله في هذا الموضع: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} وقوله في سورة الشعراء: {ما يأتيهم من ذكر من * الرحمان محدث} ثم قالوا: فصار مجموع هاتين المقدمتين المنصوصتين كالنص في أن القرآن محدث والجواب من وجهين: الأول: أن قوله: {إن هو إلا ذكر للعالمين} وقوله: {وهذا ذكر مبارك} إشارة إلى المركب من الحروف والأصوات فإذا ضممنا إليه قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} لزم حدوث المركب من الحروف والأصوات وذلك مما لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضرورة، وإنما النزاع في قدم كلام اللّه تعالى بمعنى آخر. الثاني: أن قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} لا يدل على حدوث كل ما كان ذكرا بل على ذكر ما محدث كما أن قول القائل لا يدخل هذه البلدة رجل فاضل إلا يبغضونه، فإنه لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون فاضلا بل على أن في الرجال من هو فاضل وإذا كان كذلك فالآية لا تدل إلا على أن بعض الذكر محدث فيصير نظم الكلام هكذا القرآن ذكر وبعض الذكر محدث وهذا لا ينتج شيئا كما أن قول القائل: الإنسان حيوان وبعض الحيوان فرس لا ينتج شيئا فظهر أن الذي ظنوه قاطعا لا يفيد ظنا ضعيفا فضلا عن القطع. أما قوله: {إلا استمعوه وهم يلعبون} ففيه مسائل: المسألة الأولى: أن ذلك ذم للكفار وزجر لغيرهم عن مثله لأن الإنتفاع بما يسمع لا يكون إلا بما يرجع إلى القلب من تدبر وتفكر، وإذا كانوا عند استماعه لاعبين حصلوا على مجرد الاستماع الذي قد تشارك البهيمة فيه الإنسان |
﴿ ٢ ﴾