٧

{ومآ أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}

اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم: {ما هذا  إلا بشر مثلكم} (المؤمنون: ٣٣) بقوله: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} فبين أن هذه عادة اللّه تعالى في الرسل من قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم ولم يمنع ذلك من كونهم رسلا للآيات التي ظهرت عليهم فإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم فلا مقال عليه في كونه بشرا فأما قوله تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر} فالمعنى أنه تعالى أمرهم أن يسألوا أهل الذكر وهم أهل الكتاب حتى يعلموهم أن رسل اللّه الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة، وإنما أحالهم على هؤلاء لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} (آل عمران: ١٨٦) فإن قيل إذا لم يوثق باليهود والنصارى، فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل

قلنا: إذا تواتر خبرهم وبلغ حد الضرورة جاز ذلك، كما قد يعمل بخبر الكفار إذا تواتر، مثل ما يعمل بخبر المؤمنين.

ومن الناس من قال: المراد بأهل الذكر أهل القرآن وهو بعيد لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول صلى اللّه عليه وسلم فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعامي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد لأن هذه الآية خطاب مشافة وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين.

ثم بين تعالى أنه لم يجعل الرسل قبله جسدا لا يأكلون الطعام وفيه أبحاث:

البحث الأول: قوله: {لا يأكلون الطعام} صفة جسد والمعنى وما جعلنا الأنبياء ذوي جسد غير طاعمين.

البحث الثاني: وحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال ذوي ضرب من الأجساد.

البحث الثالث: أنهم كانوا يقولون: {ما لهذا  الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا} (الفرقان: ٧)

﴿ ٧