٩وثانيها: قوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه} والألف واللام الداخلان على العذاب لا يفيدان العموم لأنه لم يجب عليها جميع أنواع العذاب فوجب صرفهما إلى المعهود السابق والمعهود السابق هو الحد لأنه تعالى ذكر في أول السورة {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (النور: ٢) والمراد منه الحد وإذا ثبت أن المراد من العذاب في قوله: {ويدرؤا عنها العذاب} هو الحد ثبت أنها لو لم تلاعن لحدت وأنها باللعان دفعت الحد، المراد من العذاب هو الحبس. قلنا قد بينا أن الألف واللام للمعهود المذكور، وأقرب المذكورات في هذه السورة العذاب بمعنى الحد، وأيضا فلو حملناه على الحد لا تصير الآية مجملة. أما لو حملناه على الحبس تصير الآية مجملة لأن مقدار الحبس غير معلوم وثالثها: قال الشافعي رحمه اللّه ومما يدل على بطلان الحبس في حق المرأة أنها تقول إن كان الرجل صادقا فحدوني وإن كان كاذبا فخلوني فما بالي والحبس وليس حبسي في كتاب اللّه ولا سنة رسوله ولا الإجماع ولا القياس ورابعها: أن الزوج قذفها ولم يأت بالمخرج من شهادة غيره أو شهادة نفسه، فوجب عليه الحد لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} (النور: ٤) وإذا ثبت ذلك في حق الرجل ثبت في حق المرأة لأنه لا قائل بالفرق وخامسها: قوله عليه السلام لخولة: "فالرجم أهون عليك من غضب اللّه" وهو نص في الباب حجة أبي حنيفة رحمه اللّه، أما في حق المرأة فلأنها ما فعلت سوى أنها تركت اللعان، وهذا الترك ليس بينة على الزنا ولا إقرارا منها به، فوجب أن لا يجوز رجمها، لقوله عليه السلام: "لا يحل دم امرىء" الحديث. وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصن لأنه لا قائل بالفرق، وأيضا فالنكول ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا ولغيره. المسألة الرابعة: قال الجمهور إذا قال لها يا زانية وجب اللعان. وقال مالك رحمه اللّه لا يلاعن إلا أن يقول رأيتك تزني أو ينفي حملا لها أو ولدا منها، حجة الجمهور أن عموم قوله {والذين يرمون المحصنات} يتناول الكل، ولأنه لا تفاوت في قذف الأجنبية بين الكل، فكذا في حق قذف الزوجة.الطرف الثاني: الملاعن قال الشافعي رحمه اللّه من صح يمينه صح لعانه، فيجري اللعان بين الرقيقين والذميين والمحدودين، وكذا إذا كان أحدهما رقيقا أو كان الزوج مسلما والمرأة ذمية، قال أبو حنيفة رحمه اللّه لا يصح في صورتين إحداهما: أن تكون الزوجة ممن لا يجب على قاذفها الحد إذا كان أجنبيا نحو أن تكون الزوجة مملوكة أو ذمية والثاني: أن يكون أحدهما من غير أهل الشهادة بأن يكون محدودا في قذف أو عبدا أو كافرا، ثم زعم أن الفاسق والأعمى مع أنهما ليسا من أهل الشهادة يصح لعانهما، وجه قول الشافعي رحمه اللّه أن ظاهر قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} يتناول الكل ولا معنى للتخصيص والقياس أيضا ظاهر من وجهين: الأول: أن المقصود دفع العار عن النفس، ودفع ولد الزنا عن النفس، وكما يحتاج غير المحدود إليه فكذا المحدود محتاج إليه والثاني: أجمعنا على أنه يصح لعان الفاسق والأعمى، وإن لم يكونا من أهل الشهادة فكذا القول في غيرهما، والجامع هو الحاجة إلى دفع عار الزنا، ووجه قول أبو حنيفة رحمه اللّه النص والمعنى، أما النص فما روى عبداللّه بن عمرو بن العاص أنه عليه السلام قال: "أربع من النساء ليس بينهن وبين أزواجهن ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت المملوك والمملوكة تحت الحر" أما المعنى فنقول أما في الصورة الأولى فلأنه كان الواجب على قاذف الزوجة والأجنبية الحد بقوله: {والذين يرمون المحصنات} (النور: ٤٠) ثم نسخ ذلك عن الأزواج وأقيم اللعان مقامه فلما كان اللعان مع الأزواج قائما مقام الحد في الأجنبيات لم يجب اللعان على من لا يجب عليه الحد لو قذفها أجنبي، وأما في الصورة الثانية فالوجه فيه أن اللعان شهادة فوجب أن لا يصح إلا من أهل الشهادة وإنما قلنا إن اللعان شهادة لوجهين: الأول: قوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه} فسمى اللّه تعالى لعانهما شهادة كما قال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} (البقرة: ٢٨٢) وقال: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} (النساء: ١٥) الثاني: أنه عليه السلام حين لاعن بين الزوجين أمرهما باللعان بلفظ الشهادة، ولم يقتصر على لفظ اليمين، إذا ثبت أن اللعان شهادة وجب أن لا تقبل من المحدود في القذف لقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} (النور: ٤) وإذا ثبت ذلك في المحدود ثبت في العبد والكافر، أما للإجماع على أنهما ليسا من أهل الشهادة أو لأنه لا قائل بالفرق، أجاب الشافعي رحمه اللّه بأن اللعان ليس شهادة في الحقيقة بل هو يمين لأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسه، ولأنه لو كان شهادة لكانت المرأة تأتي بثمان شهادات، لأنها على النصف من الرجل، ولأنه يصح من الأعمى والفاسق ولا يجوز شهادتهما، فإن قيل الفاسق والفاسقة قد يتوبان قلنا، وكذلك العبد قد يعتق فتجوز شهادته، ثم أكد الشافعي رحمه اللّه بأن العبد إذا عتق تقبل شهادته في الحال والفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته في الحال، ثم ألزم أبا حنيفة رحمه اللّه بأن شهادة أهل الذمة مقبولة بعضهم على بعض، فينبغي أن يجوز اللعان بين الذمي والذمية، وهذا كله كلام الشافعي رحمه اللّه. ثم قال بعد ذلك: وتختلف الحدود بمن وقعت له، ومعناه أن الزوج إن لم يلاعن تنصف حد القذف عليه لرقه، وإن لاعن ولم تلاعن اختلف حدها بإحصانها وعدم إحصانها وحريتها ورقها. الطرف الثالث: الأحكام المرتبة على اللعان قال الشافعي رحمه اللّه يتعلق باللعان خمسة أحكام درء الحد ونفي الولد والفرقة والتحريم المؤبد ووجوب الحد عليها، وكلها تثبت بمجرد لعانه ولا يفتقر فيه إلى لعانها ولا إلى حكم الحاكم، فإن حكم الحاكم به كان تنفيذا منه لا إيقاعا للفرقة.فلنتكلم في هذه المسائل: المسألة الأولى: اختلف المجتهدون في وقوع الفرقة باللعان على أربعة أقوال: أحدها: قال عثمان ألبتي: لا أرى ملاعنة الزوج امرأته تقتضي شيئا يوجب أن يطلقها وثانيها: قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما وثالثها: قال مالك والليث وزفر رحمهم اللّه إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق الحاكم ورابعها: قال الشافعي رحمه اللّه إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا التعنت أو لم تلتعن، حجة عثمان البتي وجوه: أحدها: أن اللعان ليس بصريح ولا كناية عن الفرقة فوجب أن لا يفيد الفرقة كسائر الأقوال التي لا إشعار لها بالفرقة لأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقا في قوله وهو لا يوجب تحريما ألا ترى أنه لو قامت البينة عليها لم يوجب ذلك تحريما فإذا كان كاذبا والمرأة صادقة يثبت أنه لا دلالة فيه على التحريم وثانيها: لو تلاعنا فيما بينهما لم يوجب الفرقة فكذا لو تلاعنا عند الحاكم وثالثها: أن اللعان قائم مقام الشهود في قذف الأجنبيات فكما أنه لا فائدة في إحضار الشهود هناك إلا إسقاط الحد، فكذا اللعان لا تأثير له إلا إسقاط الحد ورابعها: إذا أكذب الزوج نفسه في قذفه إياها ثم حد لم يوجب ذلك فرقة فكذا إذا لاعن لأن اللعان قائم مقام درء الحد، قال وأما تفريق النبي صلى اللّه عليه وسلم بين المتلاعنين فكان ذلك في قصة العجلاني وكان قد طلقها ثلاثا بعد اللعان فلذلك فرق بينهما، وأما قول أبي حنيفة وهو أن الحاكم يفرق بينهما فلا بد من بيان أمرين: أحدهما: أنه يجب على الحاكم أن يفرق بينهما ودليله ما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا والثاني: أن الفرقة لا تحصل إلا بحكم الحاكم، واحتجوا عليه بوجوه: أحدها: روى في قصة عويمر أنهما لما فرغا "قال عويمر: كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها، هي طالق ثلاثا" فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والاستدلال بهذا الخبر من وجوه: أحدها: أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله: "كذبت عليها إن أمسكتها" لأن إمساكها غير ممكن وثانيها: ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وتنفيذ الطلاق إنما يمكن لو لم تقع الفرقة بنفس اللعان وثالثها: ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا، ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها وثانيها: قال أبو بكر الرازي قول الشافعي رحمه اللّه خلاف الآية، لأنه لو وقعت الفرقة بلعان الزوج للاعنت المرأة وهي أجنبية وذلك خلاف الآية لأن اللّه تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين وثالثها: أن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب أن لا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم ورابعها: اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي بالبينة، فلما لم يجز أن يستحق المدعي مدعاه إلا بحكم الحاكم وجب مثله في استحقاق المرأة نفسها وخامسها: أن اللعان لا إشعار فيه بالتحريم لأن أكثر ما فيه أنها زنت ولو قامت البينة على زناها أو هي أقرت بذلك فذاك لا يوجب التحريم فكذا اللعان وإذا لم يوجد فيها دلالة على التحريم وجب أن لا تقع الفرقة به، فلا بد من إحداث التفريق أما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم، أما قول مالك وزفر فحجته أنهما لو تراضيا على البقاء على النكاح لم يخليا بل يفرق بينهما، فدل على أن اللعان قد أوجب الفرقة، أما قول الشافعي رحمه اللّه فله دليلان الأول: قوله تعالى: {ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد} الآية فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها، وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج الثاني: أن لعان الزوج وحده مستقل بنفي الولد فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها، ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه فيعتبر نفي الزوج لا إلحاق المرأة، ولهذا إذا أكذب الزوج نفسه ألحق به الولد وما دام يبقى مصرا على اللعان فالولد منفي عنه إذا ثبت أن لعانه مستقل بنفي الولد وجب أن يكون مستقلا بوقوع الفرقة، لأن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد لقوله عليه السلام: "الولد للفراش" فما دام يبقى الفراش التحق به، فلما انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أنه يزول الفراش عنه بمجرد لعانه، وأما الأخبار التي استدل بها أبو حنيفة رحمه اللّه فالمراد به أن النبي عليه السلام أخبر عن وقوع الفرقة وحكم بها وذلك لا ينافي أن يكون المؤثر في الفرقة شيئا آخر، وأما الأقيسة التي ذكرها فمدارها على أن اللعان شهادة وليس الأمر كذلك بل هو يمين على ما بينا، وأما قوله: اللعان لا إشعار فيه بوقوع الحرمة. قلنا بينته على نفي الولد مقبولة ونفي الولد يتضمن نفي حلية النكاح واللّه أعلم. المسألة الثانية: قال مالك والشافعي وأبو يوسف والثوري وإسحق والحسن المتلاعنان لا يجتمعان أبدا، وهو قول علي وعمر وابن مسعود، وقال أبو حنيفة ومحمد إذا أكذب نفسه وحد زال تحريم العقد وحلت له بنكاح جديد. حجة الشافعي رحمه اللّه أمور: أحدها: قوله عليه السلام للملاعن بعد اللعان "لا سبيل لك عليها" ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان الإكذاب غاية لهذه الحرمة لردها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى هذه الغاية، كما قال في المطلقة بالثلاث {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} (البقرة: ٢٣٠). وثانيها:ما روي عن علي وعمر وابن مسعود أنهم قالوا لا يجتمع المتلاعنان أبدا، وهذا قد روي أيضا مرفوعا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وثالثها: ما روى الزهري عن سهل بن سعد في قصة العجلاني "مضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا" حجة أبي حنيفة رحمه اللّه قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقوله: {فانكحوا ما طاب لكم}. المسألة الثالثة: اتفق أهل العلم على أن الولد قد ينفى عن الزوج باللعان، وحكى عن بعض من شذ أنه للزوج ولا ينتفي نسبه باللعان، واحتج بقوله عليه السلام: "الولد للفراش" وهذا ضعيف لأن الأخبار الدالة على أن النسب ينتفي باللعان كالمتواترة فلا يعارضها هذا الواحد. المسألة الرابعة: قال الشافعي رحمه اللّه: لو أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم، وقال أبو حنيفة رحمه اللّه أكثر كلمات اللعان تعمل عمل الكل إذا حكم به الحاكم، والظاهر مع الشافعي لأنه يدل على أنها لا تدرأ العذاب عن نفسها إلا بتمام ما ذكره اللّه تعالى، ومن قال بخلاف ذلك فإنما يقوله بدليل منفصل. الطرف الرابع: في كيفية اللعان والآية دالة عليها صريحا فالرجل يشهد أربع شهادات باللّه بأن يقول: أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ثم يقول من بعد، وعليه لعنة اللّه إن كان من الكاذبين. ويتعلق بلعان الزوج تلك الأحكام الخمسة على قول الشافعي رحمه اللّه، ثم المرأة إذا أرادت إسقاط حد الزنا عن نفسها عليها أن تلاعن ولا يتعلق بلعانها إلا هذا الحكم الواحد، ثم ههنا فروع الفرع الأول: أجمعوا على أن اللعان كالشهادة فلا يثبت إلا عند الحاكم الثاني: قال الشافعي رحمه اللّه يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة، وتقام المرأة حتى تشهد والرجل قاعد، ويأمر الإمام من يضع يده على فيه عند الانتهاء إلى اللعنة والغضب ويقول له أني أخاف إن لم تك صادقا أن تبوء بلعنة اللّه الثالث: اللعان بمكة بين المقام والركن وبالمدينة عند المنبر وبيت المقدس في مسجده وفي غيرها في المواضع المعظمة ولعان المشرك كغيره في الكيفية، وأما الزمان فيوم الجمعة بعد العصر، ولا بد من حضور جماعة من الأعيان أقلهم أربعة. الطرف الخامس: في سائر الفوائد وفيه مسائل: المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآية على بطلان قول الخوارج في أن الزنا والقذف كفر من وجهين: الأول: أن الرامي إن صدق فهي زانية، وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما، وذلك يكون ردة فيجب على هذا أن تقع الفرقة ولا لعان أصلا، وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث ألبتة الثاني: أن الكفر إذا ثبت عليها بلعانه، فالواجب أن تقتل لا أن تجلد أو ترجم، لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا. المسألة الثانية: الآية دالة على بطلان قول من يقول إن وقوع الزنا يفسد النكاح، وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الضراع أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي من قبل اللعان وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك. المسألة الثالثة: قالت المعتزلة دلت الآية على أن القاذف مستحق للعن اللّه تعالى إذا كان كاذبا وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية يستحقان غضب اللّه تعالى وعقابه وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما، كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال والمجانين، وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب، والعقاب يكون دائما كالثواب ولا يجتمعان فثوابهما أيضا محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته وذلك يدل على خلود الفساق في النار، قال أصحابنا لا نسلم أن كونه مغضوبا عليه بفسقه ينافي كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه فلم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب والإجماع ممنوع. المسألة الرابعة: إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب اللّه تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وإطماعها ولذلك كانت مقدمة في آية الجلد. |
﴿ ٩ ﴾