٩

أما قوله: { يَامُوسَى إنه أنا اللّه العزيز الحكيم} فقال صاحب "الكشاف" الهاء في (إنه) يجوز أن يكون ضمير الشأن و {أنا اللّه} مبتدأ وخبر، و {العزيز الحكيم} صفتان للخبر، وأن يكون راجعا إلى ما دل عليه ما قبله يعني أن مكلمك أنا واللّه بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان (للتعيين) وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية، الفاعل (كل) ما أفعله بحكمة وتدبير.

فإن قيل هذا النداء يجوز أن يكون من عند غير اللّه تعالى، فكيف علم موسى عليه السلام أنه من اللّه؟ جوابه: لأهل السنة فيه طريقان:

الأول: أنه سمع الكلام المنزه عن مشابهة الحروف والأصوات فعلم بالضرورة أنه صفة اللّه تعالى

الثاني: قول أئمة ما وراء النهر وهو أنه عليه السلام سمع الصوت من الشجرة فنقول إنما عرف أن ذلك من اللّه تعالى لأمور:

أحدها: أن النداء إذا حصل في النار أو الشجرة علم أنه من قبل اللّه تعالى لأن أحدا منا لا يقدر عليه وهو ضعف لاحتمال أن يقال الشيطان دخل في النار والشجرة ثم نادى

وثانيها: يجوز في نفس النداء أن يكون قد بلغ في العظم مبلغا لا يكون إلا معجزا، وهو أيضا ضعيف لأنا لا نعرف مقادير قوى الملائكة والشياطين فلا قدر إلا ويجوز صدوره منهم

وثالثها: أنه قد اقترن به معجز دل على ذلك، فقيل إن النار كانت مشتعلة في شجرة خضراء لم تحترق فصار ذلك كالمعجز، وهذا هو الأصح واللّه أعلم.

﴿ ٩