٢

{الـم}. وجه تعلق أول هذه السورة بما قبلها يتبين منه سبب النزول،

فنقول لما قال اللّه تعالى في السورة المتقدمة {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن} (العنكبوت: ٤٦) وكان يجادل المشركين بنسبتهم إلى عدم العقل كما في قوله: {صم بكم عمى فهم لا يعقلون} (البقرة: ١٧١) وكان أهل الكتاب يوافقون النبي في الإله كما قال: {وإلهنا وإلهكم واحد} (العنكبوت: ٤٦) وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله بل كثير منهم كانوا مؤمنين به كما قال: {والذين ءاتيناهم الكتاب * يؤمنون به} (العنكبوت: ٤٧) أي أبغض المشركون أهل الكتاب وتركوا مراجعتهم وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور، فلما وقعت الكرة عليهم حين قاتلهم الفرس المجوس فرح المشركون بذلك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق، بل اللّه تعالى قد يريد مزيد ثواب في المحب فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد للمعادي، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: ما الحكمة في افتتاح هذه السورة بحروف التهجي؟

فنقول قد سبق منا أن كل سورة افتتحت بحروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كما في قوله تعالى: {الم * ذالك الكتاب} (البقرة: ١، ٢) ،

{المص * كتاب} (الأعراف: ١) ،

{طه * ما أنزلنا عليك القرءان} (طه: ١، ٢)،

{الم * تنزيل الكتاب} {حم * تنزيل من الرحمان الرحيم} (فصلت: ٢)،

{يس * والقرءان} (يس: ١، ٢)،

{ص والقرءان} (ص: ١) إلا هذه السورة وسورتين أخريين ذكرناهما في العنكبوت وقد ذكرنا ما الحكمة فيهما في موضعهما فنقول ما يتعلق بهذه السور وهو أن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت وهذه ذكر في أولها ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع، ثم ترد عليه المعجزة وتقرع الأسماع.

المسألة الثانية: قوله تعالى: {فى أدنى الارض} أي أرض العرب، لأن الألف واللام للتعريف والمعهود عندهم أرضهم

وقوله تعالى: {وهم من بعد غلبهم} أية فائدة في ذكره مع أن قوله: {سيغلبون} بعد قوله: {غلبت الروم} لا يكون إلا من بعد الغلبة؟

فنقول الفائدة فيه إظهار القدرة وبيان أن ذلك بأمر اللّه لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفا، فلو كان غلبتهم لشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم فإذا غلبوا بعدما غلبوا، دل على أن ذلك بأمر اللّه، فذكر من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم ويتذكروا أنه ليس بزحفهم، وإنما ذلك بأمر اللّه تعالى

﴿ ٢