١{يأيها النبى اتق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين إن اللّه كان عليما حكيما}. قوله تعالى: {منتظرون ياأيها النبى اتق اللّه}. في تفسير الآية مسائل: الأولى: في الفرق بين النداء والمنادى بقوله يا رجل ويا أيها الرجل، وقد قيل فيه ما قيل ونحن نقول قول القائل يا رجل يدل على النداء وقوله يا أيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبىء عن خطر خطب المنادي له أو غفلة المنادى أما الثاني: فمذكور وأما الأول: فلأن قوله:(يا أي) جعل المنادى غير معلوم أولا فيكون كل سامع متطلعا إلى المنادى فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه، وإذا قال يا زيد أو يا رجل لا يلتفت إلى جانب المنادى إلا المذكور إذا علم هذا فنقول {فلينظر أيها} لا يجوز حمله على غفلة النبي لأن قوله {النبى} ينافي الغفلة لأن النبي عليه السلام خبير فلا يكون غافلا فيجب حمله على خطر الخطب. المسألة الثانية: الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس وللساكت اسكت والنبي عليه السلام كان متقيا فما الوجه فيه؟ نقول فيه وجهان: أحدهما: منقول وهو أنه أمر بالمداومة فإنه يصح أن يقول القائل للجالس اجلس ههنا إلى أن أجيئك، ويقول القائل للساكت قد أصبت فاسكت تسلم، أي دم على ما أنت عليه والثاني: وهو معقول لطيف، وهو أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي لم يؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا. وكيف والأمور الدنيوية شاغلة والآدمي في الدنيا تارة مع اللّه، وأخرى مقبل على ما لابد منه، وإن كانمعه اللّه وإلى هذا إشارة بقوله: {إنما أنا بشر مثلكم * يوحى إلى} (فصلت: ٦) يعني يرفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور الوجه الثاني: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركا للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة فقوله: {اتق اللّه} على هذا أمر بما ليس فيه وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: "من استوى يوماه فهو مغبون" ولأنه طلب من ربه بأمر اللّه إياه به زيادة العلم حيث قال: {وقل رب زدنى علما} (طه: ١١٤) وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه في اليوم سبعين مرة" يعني يتجدد له مقام يقول الذي أتيت به من الشكر والعبادة لم يكن شيئا، إذا علم هذا فالنبي صلى اللّه عليه وسلم بحكم {إنما أنا بشر مثلكم} (فصلت: ٦) كان قد وقع له خوف ما يسير من جهة ألسنة الكفار والمنافقين ومن أيديهم بدليل قوله تعالى: {وتخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه} (الأحزاب: ٣٧) فأمره اللّه بتقوى أخرى فوق ما يتقيه بحيث تنسيه الخلق ولا يريد إلا الحق وزاد اللّه به درجته فكان ذلك بشارة له، في {منتظرون ياأيها النبى} أنت ما بقيت في الدرجة التي يقنع منك بتقوى، مثل تقوى الآحاد أو تقوى الأوتاد بل لا يقنع منك إلا بتقوى تنسيك نفسك ألا ترى أن الإنسان إذا كان يخاف فوت مال إن هجم عليه غاشم يقصد قتله يذهل عن المال ويهرب ويتركه، فكذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمر بمثل هذه التقوى ومع هذه التقوى لا يبقى الخوف من أحد غير اللّه وخرج هذا مخرج قول القائل لمن يخاف زيد أو عمرا خف عمرا فإن زيدا لا يقدر عليك إذا كان عمرو معك فلا يكون ذلك أمرا بالخوف من عمرو فإنه يخاف وإنما يكون ذلك نهيا عن الخوف من زيد في ضمن الأمر بزيادة الخوف من عمرو حتى ينسيه زيدا. ثم قوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} يقرر قولنا أي اتق اللّه تقوى تمنعك من طاعتهم. المسألة الثالثة: لم خص الكافرين والمنافقين بالذكر مع أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ينبغي أن لا يطيع أحدا غير اللّه؟ نقول لوجهين أحدهما: أن ذكر الغير لا حاجة إليه لأن غيرهما لا يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام الاتباع، ولا يتوقع أن يصير النبي عليه السلام مطيعا له بل يقصد اتباعه ولا يكون عنده إلا مطاعا والثاني: هو أنه تعالى لما قال: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} منعه من طاعة الكل لأن كل من طلب من النبي عليه الصلاة والسلام طاعته فهو كافر أو منافق لأن من يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأمر أمر إيجاب معتقدا على أنه لو لم يفعله يعاقبه بحق يكون كافرا. ثم قال تعالى: {إن اللّه كان عليما حكيما} إشارة إلى أن التقوى ينبغي تكون عن صميم قلبك لا تخفى في نفسك تقوى غير اللّه كما يفعله الذي يرى من نفسه الشجاعة حيث يخاف في نفسه ويتجلد فإن التقوى من اللّه وهو عليم، وقوله: {حكيما} إشارة إلى دفع وهم متوهم وهو أن متوهما لو قال إذا قال اللّه شيئا وقال جميع الكافرين والمنافقين مع أنهم أقارب النبي عليه الصلاة والسلام شيئا آخر ورأوا المصلحة فيه وذكروا وجها معقولا فاتباعهم لا يكون إلا مصلحة فقال اللّه تعالى إنه حكيم ولا تكون المصلحة إلى في قول الحكيم، فإذا أمرك اللّه بشيء فاتبعه ولو منعك أهل العالم عنه. |
﴿ ١ ﴾