١٠

وقوله: {إذ * جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} بيان لشدة الأمر وغاية الخوف،

وقيل: {من فوقكم} أي من جانب الشرق {ومن أسفل منكم} من جانب الغرب وهم أهل مكة وزاغت الأبصار أي مالت عن سننها فلم تلتفت إلى العدو لكثرته {وبلغت القلوب الحناجر} كناية عن غاية الشدة، وذلك لأن القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص فيلتصق بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مجرى النفس لا يقدر المرء يتنفس ويموت من الخوف ومثله قوله تعالى: {حتى إذا * بلغت الحلقوم} (الواقعة: ٨٣)

وقوله: {وتظنون باللّه الظنونا} الألف واللام يمكن أن يكونا بمعنى الاستغراق مبالغة يعني تظنون كل ظن لأن عند الأمر العظيم كل أحد يظن شيئا ويمكن أن يكون المراد ظنونهم المعهودة، لأن المعهود من المؤمن ظن الخير باللّه كما قال

عليه السلام: "ظنوا باللّه خيرا" ومن الكافر الظن السوء كما قال تعالى: {ذالك ظن الذين كفروا} (ص : ٢٧) وقوله: {إن يتبعون إلا الظن} (النجم: ٢٣) فإن قال قائل المصدر لا يجمع، فما الفائدة في جمع الظنون؟

فنقول لا شك في أنه منصوب على المصدر ولكن الاسم قد يجعل مصدرا كما يقال ضربته سياطا وأدبته مرارا فكأنه قال ظننتم ظنا بعد ظن أي ما ثبتم على ظن فالفائدة هي أن اللّه تعالى لو قال: تظنون ظنا، جاز أن يكونوا مصيبين فإذا قال: ظنونا، تبين أن فيهم من كان ظنه كاذبا لأن الظنون قد تكذب كلها وقد يكذب بعضها إذا كانت في أمر واحد مثاله إذا رأى جمع من بعيد جسما وظن بعضهم أنه زيد وآخرون أنه عمرو وقال ثالث إنه بكر ثم ظهر لهم الحق قد يكون الكل مخطئين والمرئي شجر أو حجر.

وقد يكون أحدهم مصيبا ولا يمكن أن يكونوا كلهم مصيبين فقوله: {الظنونا} أفاد أن فيهم من أخطأ الظن، ولو قال تظنون باللّه ظنا ما كان يفيد هذا.

﴿ ١٠