ÓõæÑóÉõ ÓóÈóÃò ãóßøöíøóÉñ

æóåöíó ÃóÑúÈóÚñ æóÎóãúÓõæäó ÂíóÉð

تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير)

مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى

أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين

الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م)

_________________________________

سورة سبأ

مكية وقيل فيها آية مدنية وهي {ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل إليك * الاية} وهي أربع وقيل خمس وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

١

{الحمد للّه الذى له ما فى السماوات وما فى الارض ...}.

السور المفتتحة بالحمد خمس سور سورتان منها في النصف الأول وهما الأنعام والكهف وسورتان في الأخير وهما هذه السورة وسورة الملائكة والخامسة وهي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الأخير والحكمة فيها أن نعم اللّه مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء، فإن اللّه تعالى خلقنا أولا برحمته وخلق لنا ما نقوم به وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما يدوم فلنا حالتان الابتداء والإعادة وفي كل حالة له تعالى علينا نعمتان نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال في النصف

الأول: {الحمد للّه الذى خلق * السماوات والارض *وجعل الظلمات والنور} (الأنعام: ١)

إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد ويدل عليه قوله تعالى فيه: {هو الذى خلقكم من طين} (الأنعام: ٢)

إشارة إلى الإيجاد الأول وقال في السورة الثانية وهي الكهف {الحمد للّه الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما} (الكهف: ١، ٢)

إشارة إلى الشكر على نعمة الإبقاء، فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع ينقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ولو وقعت المنازعات في المشتبهات وأدى إلى التقاتل والتفاني،

ثم قال في هذه السورة {الحمد للّه}

إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني ويدل عليه قوله تعالى: {وله الحمد فى الاخرة}

وقال في الملائكة: {الحمد للّه}

إشارة إلى نعمة الإبقاء ويدل عليه قوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلا} (فاطر: ١)

والملائكة بأجمعهم لا يكونون رسلا إلى يوم القيامة يرسلهم اللّه مسلمين كما قال تعالى: {وتتلقاهم الملئكة} (الأنبياء: ١٠٣)

وقال تعالى عنهم: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر: ٧٣)

وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر النعمتين بقوله تعالى: {الحمد للّه رب العالمين} (الفاتحة: )

إشارة إلى النعمة العاجلة وقوله: {مالك يوم الدين}

إشارة إلى النعمة الآجلة قرئت في الافتتاح وفي الاختتام،

ثم في مسائل:

المسألة الأولى: الحمد شكر والشكر على النعمة واللّه تعالى جعل ما في السموات وما في الأرض لنفسه بقوله: {له ما في السماوات وما في الارض} ولم يبين أنه لنا حتى يجب الشكر نقول جوابا عنه الحمد يفارق الشكر في معنى وهو أن الحمد أعم فيحمد من فيه صفات حميدة وإن لم ينعم على الحامد أصلا، فإن الإنسان يحسن منه أن يقول في حق عالم لم يجتمع به أصلا أنه عالم عامل بارع كامل فيقال له إنه يحمد فلانا ولا يقال إنه يشكره إلا إذا ذكر نعمه أو ذكره على نعمه فاللّه تعالى محمود في الأزل لاتصافه بأوصاف الكمال ونعوت الجلال ومشكور ولا يزال على ما أبدى من الكرم وأسدى من النعم فلا يلزم ذكر النعمة للحمد بل يكفي ذكر العظمة وفي كونه مالك ما في السموات وما في الأرض عظمة كاملة فله الحمد على أنا نقول قوله: {له ما في السماوات وما في الارض} يوجب شكرا أتم مما يوجبه قوله تعالى: {خلق لكم ما فى الارض} وذلك لأن ما في السموات والأرض إذا كان للّه ونحن المنتفعون به لا هو، يوجب ذلك شكرا لا يوجبه كون ذلك لنا.

المسألة الثانية: قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعمة التي في الآخرة

فلم ذكر اللّه السموات والأرض؟ فنقول نعم الآخرة غير مرئية فذكر اللّه النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض،

ثم قال: {وله الحمد فى الاخرة} ليقاس نعم الآخرة بنعم الدنيا ويعلم فضلها بدوامها وفناء العاجلة ولهذا قال: {وهو الحكيم الخبير} إشارة إلى أن خلق هذه الأشياء بالحكمة والخير، والحكمة صفة ثابتة للّه لا يمكن زوالها فيمكن منه إيجاد أمثال هذه مرة أخرى في الآخرة.

المسألة الثالثة: الحكمة هي العلم الذي يتصل به الفعل فإن من يعلم أمرا ولم يأت بما يناسب علمه لا يقال له حكيم، فالفاعل الذي فعله على وفق العلم هو الحكيم، والخبير هو الذي يعلم عواقب الأمور وبواطنها فقوله: {حكيم} أي في الابتداء يخلق كما ينبغي وخبير أي بالانتهاء يعلم ماذا يصدر من المخلوق وما لا يصدر إلى ماذا يكون مصير كل أحد فهو حكيم في الابتداء خبير في الانتهاء.

﴿ ١