٩ثم عاد إلى البيان فقال تعالى: {واللّه الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت...}. هبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن، وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى اليسار، وفي حركاته المخعلفة قد ينشىء السحاب، وقد لا ينشيء، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال تعالى: {واللّه الذى أرسل} بلفظ الماضي وقال: {فتثير سحابا} بصيغة المستقبل، وذلك لأن لما أسند فعل الإرسال إلى اللّه وما يفعل اللّه يكون بقوله كن فلا يبقى في العدم لا زمانا ولا جزأ من الزمان، فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان وكأن فرغ من كل شيء فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال، ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهو يؤلف في زمان فقال: {تثير} أي على هيئتها. المسألة الثانية: قال: {أرسل} إسنادا للفعل إلى الغائب وقال: {سقناه} بإسناد الفعل إلى المتكلم وكذلك في قوله: {فأحيينا} وذلك لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال، ثم لما عرف قال: أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض فنفى الأول كان تعريفا بالفعل العيجب، وفي الثاني كان تذيرا بالنعمة فإن كما(ل) نعمة الرياح والسحب بالسوق والإحياء وقوله: {سقناه وأحيينا} بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرناه من الفرق بين قوله: {أرسل} وبين قوله: {تثير}. المسألة الثالثة: ما وجه التشبيه بقوله: {كذلك النشور} فيه وجوه: أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة وثانيها: كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت. المسألة الرابعة: ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات مع أن اللّه تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فنقول لما ذكر اللّه أنه فاطر السموات والأرض، وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله: {جاعل الملائكة رسلا} ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله: {واللّه الذى أرسل الرياح}. |
﴿ ٩ ﴾