٨

{أءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم فى شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب}

اعلم أن هذا هو الشبهة الثالثة لأولئك الكفار وهي الشبهة المتعلقة بالنبوات وهي قولهم إن محمدا لما كان مساويا لغيره في الذات والصفات والخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة فكيف يعقل أن يختص هو بهذا الدرجة العالية والمنزلة الشريفة؟ وهو المراد من قولهم: {عليه الذكر من بيننا بل} فإنه استفهام على سبيل الإنكار، وحكى اللّه تعالى عن قوم صالح أنه قالوا مثل هذا القول فقالوا: {الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * أشهر}

(القمر: ٢٥) وحكى اللّه تعالى عن قوم محمد صلى اللّه عليه وسلم أيضا أنهم قالوا: {لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف: ٣١) وتمام الكلام في تقرير هذه الشبهة: أنهم قالوا النبوة أشرف المراتب، فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد ليس أشفر الناس، فوجب أن لا تحصل له والنبوة، والمقدمتان الأوليان حقيتان لكن الثالثة كاذبة وسبب رواج هذا التغليط عليهم أنهم قالوا النبوة أشرف المراتب، فوجب أن لا تحصل إلا لأشرف الناس ومحمد ليس أشرف الناس، فوجب أن لا تحصل له والنبوة، والمقدمتان الأوليان حقيتان لكن الثالثة كادبة وسبب رواج هذا التغليظ عليهم أنهم ظنوا أن الشرف لا يحصل إلا بالمال والأعوان وذلك باطل، فإن مراتب السعادة ثلاثة أعلاها هي النفسانية وأوسطها هي البدنية وأدونها هي الخارجية وهي المال والجاه، فالقوم عكسوا القضية وظنوا بأخس المراتب أشرافها فلما وجدوا المال والجاه عند غيره أكثر ظنوا أن غيره أشرف منه، فحينئذ انعقد هذا القياس الفاسد في أفكارهم، ثم إنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من وجوه

الأول: قوله تعالى: {بل هم فى شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب}

وفيه وجهان

أحدهما: أن قوله: {بل هم فى شك من ذكرى} أي من الدلائل التي لو نظروا فيها لزال هذا الشك عنهم وذلك لأن كل ما ذكروه من الشبهات فهي كلمات ضعيفة

وأما الدلائل التي تدل بنفسها على صحة نبوته، فهي دلائل قاطعة فلو تأملوا حق التأملفي الكلام لوقفوا على ضعف الشبهات التي تمسكوا بها في إبطال النبوة، ولعرفوا صحة الدلائل الدالة على صحة نبوته، فحيث لم يعرفوا ذلك كان لأجل أنهم تركووا النظر والاستدلال،

فأما قوله تعالى: {بل لما يذوقوا عذاب} فموقعه من هذا الكلام أنه تعالى يقول هؤلاء إنما تركوا النظر والاستدلال لأني لم أذقهم عذابي، ولو ذاقوه لم يقع منهم "ءلا الإقبال على أداء المأمورات والانتهاء عن المنهيات

وثانيها: أن يكون المراد في قوله؛

{بل هم فى شك من ذكرى} هو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مان يخوفهم من عذاب اللّه لو أصروا على الكفر، ثم أنهم أصروا على الكفر، ولم ينزل عليهم العذاب، فصار ذلك سببا لشكهم في صدقه، وقالوا: {اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} (الأنفال: ٣٢) فقال: {بل هم * شك من ذكرى} معناه ما ذكرناه، وقوله تعالى: {بل لما يذوقوا عذاب} معناه أن ذلك الشك إنما حصل بسبب عدم نزول العذاب

﴿ ٨