٤

ثم قال تعالى: {لو أراد اللّه أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهار} والمراد من هذا الكلام: إقامة الدلائل القاهرة على كونه منزها عن الولد وبيانه من وجوه

الأول: أنه لو اتخذ ولدا لما رضي إلا بأكمل الأولاد وهو الإبن فكيف نسبتم إليه البنت

الثاني: أنه سبحانه واحد حقيقي والواحد الحقيقي يمتنع أن يكون له ولد،

أما أنه واحد حقيقي فلأنه لو كان مركبا لاحتاج إلى كل واحد من أجزائه وجزؤه غيره، فكان يحتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يكون واجب الوجود لذاته،

وأما أن الواحد لا يكون له ولد فلوجوه

الأول: أن الولد عبارة عن جزء من أجزاء الشيء ينفصل عنه، ثم يحصل له صورة مساوية لصورة الوالد.

وهذا إنما يعقل في الشيء الذي ينفصل منه جزء والفرد المطلق لا يقال ذلك فيه

الثاني: شرط الولد أن يكون مماثلا في تمام الماهية للوالد فتكون حقيقة ذلك الشيء حقيقة نوعية محمولة على شخصين، وذلك محال لأن تعيين كل واحد منهما إن كان من لوازم تلك الماهية لزم أن لايحصل من تلك الماهية إلا الشخص الواحد، وإن لم يكن ذلك التعيين من لوازم تلك الماهية كان ذلك التعيين معلوما بسبب منفصل، فلا يكون إلها واجب الوجود لذاته.

فثبت أن كونه إلها واجب الوجود لذاته يوجب كونه واحدا في حقيقته، وكونه واحدا في حقيقته يمنع من ثبوت الولد له، فثبت أن كونه واحدا يمنع من ثبوت الولد

الثالث: أن الولد لا يحصل إلا من الزوج والزوجة والزوجان لا بد وأن يكونا من جنس واحد، فلو كان له ولد لما كان واحدا بل كانت زوجته من جنسه،

وأما أن كونه قهارا يمنع من ثبوت الولد له، فلأن المحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيحتاجإلى ولد يقوم مقامه، فالمحتاج إلى الولد هو الذي يكون مقهورا بالموت،

أما الذي يكون قاهرا ولا يقهره غيره كان الولد في حقه محالا، فثبت أن قوله: {هو اللّه الواحد القهار} ألفاظ مشتملة على دلائل قاطعة في نفي الولد عن اللّه تعالى.

﴿ ٤