٥

{خلق السماوات والارض بالحق يكور اليل على النهار...}

اعلم أن الآية المتقدمة دلت على أنه تعالى بين كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا وقهارا غالبا أي: كامل القدرة، فلما بني تلك المسألة على هذه الأصول ذكر عقيبها ما يدل على كمال القدرة وعلى كمال الاستغناء، وأيا فإنه تعالى طعن في إليهة الأصنام فذكر عقيبها الصفات التي باعتبارها تحصل الإلهية، واعلم أنا بينا في مواضع من هذا الكتاب أن الدلائل التي ذكرها اللّه تعالى فيإثبات إليهته، أما أن تكون فلكية أو عنصرية،

أما الفلكية فأقسام

أحدها: خلق السموات والأرض، وهذا المعنى يدل على وجود الإله القادر من وجوه كثيرة شرحناها في تفسير قوله تعالى: {الحمد * اللّه الذى خلق * السماوات والارض} (الأنعام: ١)

والثاني: اختلاف أحوال الليل والنهار وهو المراد ههنا من قوله: {يكور اليل على النهار ويكور النهار على اليل} وذلك لأن النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك تارة، وذلك هذا أخرى.

وذلك يدل على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور، ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان.

تحت تدبيره وقهره وهو اللّه سبحانه وتعالى، والمراد من هذا التكوير أنه يزيد في كل واحد منهما بقدر ما ينقص عن الآخر، والمراد من تكوير الليل والنهار ما ورد في الحديث: "نعوذ اللّه من الحور بعد الكور" أي: من الإدبار بعد الإقبال، واعلم أنه سبحانه وتعالى عبر عن هذا المعنى بقوله: {يكور اليل على النهار}

وبقوله: {يغشى * وهو الذى} (الأعراف: ٥٤)

وبقوله: {يولج اليل فى النهار} (فاطر: ١٣)

وبقوله: {وهو الذى جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر} (الفرقان: ٦٢)

والثالث: اعتبار أحوال الكواكب لا سيما الشمس والقمر، فإن الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل، وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما وقوله: كل يجري لأجل مسمى} الأجل المسمى يوم القيامة، لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا، ونظيره قوله تعالى: {*} الأجل المسمى يوم القيامة، لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا، ونظيره قوله تعالى: {وجمع الشمس والقمر} (القيامة: ٩) والمراد من هذا التسخير أن هذه الأفلاك تدور كدوران المنجنون على حد واحد إلى يوم القيامة وعنده تطري السماء كطي السجل للكتب.

ولما ذكر اللّه هذه الأنواع الثلاثة من الدلائل الفلكية قال: {ألا هو العزيز الغفار} والمعنى: أن خلق هذه الأجرام العظيمة وإن دل على كونه عزيزا أي كامل القدرة إلا أنه غفار عظيم الرحمة والفضل والإحسان

فإنه لما كان الإخبار عن كونه عظيم القدرة يوجب الخوف والرهبة فكونه غفارا يوجب كثرة الرحمة، وكثرة الرحمة توجب الرجاء والرغبة،

﴿ ٥