٨{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ...} اعلم أن اللّه تعالى لما بين فساد القول بالشرك وبين أن اللّه تعالى هو الذي يجب أن يعبد، بين في هذه الآية أن طريقة هؤلاء الكفار الذين يعبدون الأصنام متناقضة وذلك لأنهم إذا مسهم نوع من أنواع الضر لم يرجعوا في طلب دفعه إلا إلى اللّه، وإذا زال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة الأصنام ومعلوم أنهم إنما رجعوا إلى اللّه تعالى عند حصول الضر، لأنه هو القادر على إيصال الخير ودفع الضر، وإذا عرفوا أن الأمر كذلك في بعض الأحوال كان الواجب عليهم أن يعترفوابه في كل الأحوال فثبت أن طريقتهم في هذا الباب متناقضة. أما قوله تعالى: {وإذا مس الإنسان} فقيل المراد بالإنسان أقوام معينون مثل عتبة بن ربيعة وغيره، وقيل المراد به الكافر الذي تقدم ذكره، لأن الكلام يخرج على معهود، تقدم. أما قوله {ضر} فيدخل فيه جميع المكاره سواء كان في جسمه أو في ماله أو أهله وولده، لأن اللفظ مطلق فلا معنى للتقييد {خشى ربه} أي استجار بربه وناداه ولم يؤمل في كشف الضر سواء، فلذلك قال: {منيبا إليه} أي راجعا إليه وحده في إزالة ذلك الضر لأن الإنابة هي الرجوع {ثم إذا خوله نعمة منه} أي أعطاه، قال صاحب "الكشاف": وفي حقيقته وجهان أحدهما: جعله خائل مال من قولهم هو خائل مال وخال مال، إذا كان متعهدا له حسن القيام به ومنه ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة" والثاني: جعله يخول من خال يخول إذا اختال وافتخر، وفي المعنى قالت العرب: ( إن الغنى طويل الذيل مياس) ثم قال تعالى: {نسى ما كان يدعو إليه من قبل} أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه، وما بمعنى من كقوله تعالى: {وما خلق الذكر والانثى} (الليل: ٣) وقوله تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} (الكافرون: ٣) وقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} (النساء: ٣) وقيل نسي الضر الذي كان يدعو اللّه إلى كشفه والمراد من قوله نسي أن ترك دعاءه كأنه لم يفزع إلى ربه، ولو أراد به النسيان الحقيقي لما ذمه عليه، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أن لا يفزع، وأن لا إله سواه فعاد إلى اتخاذ الشركاء مع اللّه. ثم قال تعالى: {وجعل للّه أندادا ليضل عن سبيله} وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضل بفتح الياء والباقون ليضل بضم الياء على معنى ليضل غيره. المسألة الثانية: المراد أنه تعالى يعجب العقلاء من مناقضتهم عند هاتين الحالتين، فعند الضر يعتقدون أنه لا مفزع إلى ما سواء وعند النعمة يعودون إلى اتخاذ آلهة معه. ومعلوم أنه تعالى إذا كان إنما يفزع إليه في حال الضر لأجل أنه هو القادر على الخير والشر، وهذا المعنى باق في حال الراحة والفراغ كان في تقرير حالهم في هذين الوقتين بما يوجب المناقضة وقلة العقل. المسألة الثالثة: معنى قوله: {ليضل عن سبيله} أنه لا يقتصر في ذلك على أن يضل نفسه بل يدعو غيره أما بفعله أو قوله إلى أن يشاركه في ذلك، فيزداد إثما على إثمه، واللام في قوله {ليضل} لام العاقبة كقوله: {فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} (القصص: ٨) ولما ذكر اللّه تعالى عنهم هذا الفعل المتناقض هددهم فقال: {قل تمتع بكفرك قليلا} وليس المراد منه الأمر بلالزجر، وأن يعرفه قلة تمتعه في الدنيا، ثم يكون مصيره إلى النار. ولما شرح اللّه تعالى صفات المشركين والضالين، |
﴿ ٨ ﴾