١٩

ثم قال: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النار}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في لفظ الآية سؤال وهو أنه يقال إنه قال: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} ولا يصح في الكلام العربي أن يدخل حرف الاستفهام على الإسم وعلى الخبر معا، فلا يقال أزيد أتقتله، بل ههنا شيء آخر، وهو أنه كما دخل حرف الاستفهام على الشرط وعلى الجزاء، فكذلك دخل حرف الفاء عليهما معا وهو قوله: {أفمن حق}، {أفأنت تنقذ} ولأجل هذا السؤال اختلف النحويون وذكروا فيه وجوها

الأول: قال الكسائي: الآية جملتنا والتقدير أفمن حق عليه كلمة العذاب، أفأنت تحميه، أفأنت تنقذ من في النار

الثاني: قال صاحب "الكشاف": أصل الكلام أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه، وهي جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء،

ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف يدل عليهالخطاب والتقدير أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع من في النار موضع الضمير، والآية على هذا جملة واحدة

الثالث: لا يبعد أن يقال إن حرف الاستفهام إنما ورد ههنا لإفادة معنى الإنكار، ولما كان استنكاره هذا المعنى كاملا تاما.

لا جرم ذكر هذا الحرف في الشرط وأعاده في الجزاء تنبيها على المبالغة التامة في ذلك الإنكار.

المسألة الثانية: احتج الأصحاب بهذه الآية في مسألة الهدى والضلالوذلك لأنه تعالى قال: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} فإذا حقت كلمة العذاب عليه امتنع منه فعل الإيمان والطاعة، وإلا لزم انقلاب خبر اللّه الصدق كذبا، وانقلاب علمه جهلا وهو محال

والوجه الثاني: في الاستدلال بالآية أنه تعالى حكم بأن حقية كلمة العذاب توجب الإستنكار التام من صدور الإيمان والطاعة عنه، ولو كان ذلك ممكنا ولم تكن حقيقة كلمة العذاب مانعة منه لم يبق لهذا الاستنكار والاستبعاد معنى.

المسألة الثالثة: احتج القاضي بهذه الآية على أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يشفع لأهل الكبائر، قال لأنه حق عليهم العذاب فتلك الشفاعة تكون جارية مجرى إنقاذهم من النار، وأن اللّه تعالى حكم عليهم بالإنكار والإستبعاد، فيقال له لا نسلم أن أهل الكبائر قد حق عليهم العذاب وكيف يحق العذاب عليهم مع أن اللّه تعالى قال: {إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: ٤٨)

ومع قوله: {إن اللّه يغفر الذنوب جميعا} (الزمر: ٥٣) واللّه أعلم.

﴿ ١٩