٢٠النوع الثاني: من الأشياء التي وعدها اللّه هؤلاء الذين اجتنبوا وأنابوا قوله تعالى: { لَكِنِ الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية} وهذا كالمقابل لما ذكر في وصف الكفار {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} (الزمر: ١٦) فإن قيل ما معنى قوله {مبنية}؟ قلنا لأن المنزل إذا بنى على منزل آخر تحته كان الفوقاني أضعف بناء من التحتاني فقوله: {مبنية} معناه أنه وإن كان فوق غيره لكنه في القوة والشدة مساو للمنزل الأسفل، والحاصل أن المنزل الفوقاني والتحتاني حصل في كل واحد منهما فضيلة ومنقصة، أما الفوقاني ففضيلته العلو والارتفاع ونقصانه الرخاوة والسخافة، وأما التحتاني فبالضد منه، أما منازل الجنة فإنها تكون مستجمعة لكل الفضائل وهي عالية مرتفعة وتكون في غاية القوة والشدة، وقال حكماء الإسلام هذه الغرف المبنية بعضها فوق البعض، مثاله من الأحوال النفسانية العلوم الكسبية فإن بعضها يكون مبنيا على البعض والنتائج الآخرة التي هي عبارة عن معرفة ذات اللّه وصفاته تكون في غاية القوة بل تكون في القوة والشدة كالعلوم الأصلية البديهية. ثم قال: {تجرى من تحتها الانهار} وذلك معلوم، ثم ختم الكلام فقال: {وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد} فقوله: {وعد اللّه} مصدر مؤكد لأن قوله {لهم غرف} في معنى وعدهم اللّه ذلك وفي الآية دقيقة شريفة، وهي أنه تعالى في كثير من آيات الوعد صرح بأن هذا وعد اللّه وأنه لا يخلف وعده ولم يذكر في آيات الوعيد ألبتة مثل هذا التأكيد والتقوية، وذلك يدل على أن جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد بخلاف ما يقوله المعتزلة، فإن قالوا أليس أنه قال في جانب الوعيد {ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد} قلنا قوله ما يبدل القول لدي ليس تصريحا بجانب الوعيد بل هو كلام عام يتناول القسمين أعني الوعد والوعيد، فثبت أن الترجيح الذي ذكرناه حق واللّه أعلم. |
﴿ ٢٠ ﴾