٤

واعلم أنه تعالى لما قرر أن القرآن كتاب أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أحوال من يجادل لغرض إبطاله وإخفاء أمره فقال: {ما يجادل فى ءايات اللّه إلا الذين كفروا}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: أن الجدال نوعان جدال في تقرير الحق وجدال في تقرير الباطل،

أما الجدال في تقرير الحق فهو حرفة الأنبياء عليهم السلام قال تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم {وجادلهم بالتى هى أحسن} (النمل: ١٢٥) وقال حكاية عن الكفار أنهم قالوا لنوح عليه السلام {يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} (هود: ٣٢)

وأما الجدال في تقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية حيث قال: {ما يجادل فى ءايات اللّه إلا الذين كفروا}

وقال: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} (الزخرف: ٥٨)

وقال: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} وقال صلى اللّه عليه وسلم : "إن جدالا في القرآن كفر" فقوله إن جدالا على لفظ التنكير يدل على التمييز بين جدال لأجل تقريره والذب عنه، قال صلى اللّه عليه وسلم : "إن جدالا في القرآن كفر" وقال:"لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر".

المسألة الثانية: الجدال في آيات اللّه هو أن يقال مرة إنه سحر ومرة إنه شعر ومرة إنه قول الكهنة ومرة أساطير الأولين ومرة إنما يعلمه بشر، وأشباه هذا مما كانوا يقولون من الشبهات الباطلة فذكر تعالى أنه لا يفعل هذا إلا الذين كفروا وأعرضوا عن الحق.

ثم قال تعالى: {فلا يغررك تقلبهم فى البلاد} أي لا ينبغي أن تغتر بأني أمهلهم وأتركهم سالمين في أبدانهم وأمرالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون للتجارات وطلب المعاش، فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم منهم كما فعلت بأشكالهم من الأمم الماضية، وكانت قريش كذلك يتقلبون في بلاد الشام واليمن ولهم الأموال الكثيرة يتجرون فيها ويربحون، ثم كشف عن هذا المعنى فقال:

﴿ ٤