٥٣

وأجاب عن شبهات المشركين وتمويهات الضالين قال: {سنريهم ءاياتنا فى الافاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}

قال الواحدي واحد الآفاق أفق وهو الناحية من نواحي الأرض، وكذلك آفاق السماء ونواحيها وأطرافها، وفي تفسير قوله {سنريهم ءاياتنا فى الافاق وفى أنفسهم}

قولان

الأول: أن المراد بآيات الآفاق الآيات الفلكية والكوكبية وآيت الليل والنهار وآيات الأضواء والإضلال والظلمات وآيات عالم العناصر الأربعة وآيات المواليد الثلاثة، وقد أكثر اللّه منها في القرآن، وقوله {وفى أنفسهم} المراد منها الدلائل المأخوذة منن كيفية تكون الأجنة في ظلمات الأرحام وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبة

كما قال تعالى: {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات: ٢١) يعني نريهم من هذه الدلائل مرة بعد أخرى إلى أن تزول الشبهات عن قلوبهم ويحصل فيها الجزم والقطع بوجود الإله القادر الحكيم العلمي المنزه عن المثل والضد،

فإن قيل هذا الوجه ضعيف لأن قوله تعالى: {سنريهم} يقتضي أنه تعالى ما أطلعهم على تلك الآيات إلى الآن وسيطلعهم عليها بعد ذلك، والآيات الموجودة في العالم الأعلى والأسفل قد كان اللّه أطلعهم عليها قبل ذلك فثبت أنه تعذر حمل هذا اللفظ على هذا الوجه،

قلنا ءن القوم وإن كانوا قد رأوا هذه الأشياء إلا أن العجائب التي أودعها اللّه تعالى في هذه الأشياء مما لا نهاية لها، فهو تعالى يطلعهم على تلك العجائب زمانا فزمانا، ومثاله كل أحد رأى بعينه بينة الإنسان وشاهدها، إلا أن العجائب التي أبدعها اللّه في تركيب هذا البدن كثيرة وأكثر الناس لا يعرفونها، والذي وقف على شيء منها فكلما ازداد وقوفا على تلك العجائب والغرائب فصح بهذا الطريق قوله {سنريهم ءاياتنا فى الافاق وفى أنفسهم}

 والقول الثاني: أن المراد بآيات الآفاق فتح البلاد المحيطة بمكة وبآيات أنفسهم فتح مكة والقائلون بهذا القول رجحوه على القول الأول لأجل أن قوله {سنريهم} يليق بهذا الوجه ولا يليق بالأول إلا أنا أجبنا عنه بأن قوله {سنريهم} لائق بالوجه الأول كما قررناه،

فإن قيل حمل الآية على هذا الوجه بعيد لأن أقصى ما في الباب أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم استولى على بعض البلاد المحيطة بمكة، ثم استولى على مكة، إلا أن الاستيلاء على بعض البلاد لا يدل على كون المستولي محقا، فإنا نرى أن الكفار قد يحصل لهم استيلاء على بلاد الإسلام وعلى ملوكهم، وذلك لا يدل على كونهم محقين، ولهذا السبب قلنا ءن حمل الآية على الوجه الأول أولى، ثم نقول إن أردنا تصحيح هذا الوجه،

قلنا إنا لا نستدل بمجرد استيلاء محمد صلى اللّه عليه وسلم على تلك البلاد على كونه محقا في ادعاء النبوة، بل نستدل به من حيث إنه صلى اللّه عليه وسلم أخبر عن مكة أنه يستولي عليها ويقهر أهلها ويصير أصحابه قاهرين للأعداء، فهذا إخبار عن الغيب وقد وقع مخبره مطابقا لخبره، فيكون هذا إخبارا صدقا عن الغيب، والإخبار عن الغيب معجزة، فبهذا الطريق يستدل بحصول هذا الاستيلاء على كون هذا الدين حقا.

ثم قال: {أو لم * يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} وقوله {بربك} في موضع الرفع على أنه فاعل {يكف} و{أنه على كل شيء شهيد} بد منه، وتقديره: أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد، ومعنى كونه تعالى شهيدا على الأشياء أنه خلق الدلائل عليها، وقد اسقصينا ذلك في تفسير قوله {*} بد منه، وتقديره: أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد، ومعنى كونه تعالى شهيدا على الأشياء أنه خلق الدلائل عليها، وقد اسقصينا ذلك في تفسير قوله {قل أى شىء أكبر شهادة قل اللّه} (الأنعام: ١٩) والمعنى ألم تكفهم هذه الدلائل الكثيرة التي أوضحها اللّه تعالى وقررها في هذه السورة وفي كل سور القرآن الدالة على التوحيد والتنزيه والعدل والنبوة.

﴿ ٥٣