١٤

فأجاب اللّه تعالى عنهم بقوله {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} يعني أنهم ما تفرقوا إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلالة، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة فحملتهم الحمية النفسانية والأنفة الطبعية، على أن ذهب كل طائفة إلى مذهب ودعا الناس إليه وقبح ما سواه طلبا للذكر والرياسة، فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف، ثم أخب تعالى أنهم استحقوا العذاب بسبب هذا الفعل، إلا أنه تعالى أخر عنهم ذلك العذاب، لأن لكل عذاب عنده أجلا مسمى، أي وقتا معلوما،

أما لمحض المشيئة كما هو قولنا، أو لأنه علم أن الصلاح تحقيقه به كما عند المعتزلة، وهو معنى قوله {ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم}

والأجل المسمى قد يكون في الدنيا وقد يكون في القيامة، واختلفوا في الذين أريدوا بهذه الصفة من هم؟ فقال الأكثرون هم اليهود والنصارى، والدليل قوله تعالى في آل عمران {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} (آل عمران: ١٩)

وقال في سورة لم يكن {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} (البينة: ٤)

ولأن قوله {إلا من بعد ما جاءهم العلم} لائق بأهل الكتاب، وقال آخرون: إنهم هم العرب، وهذاباطل للوجوه المذكورة، لأن قوله تعالى بعد هذه الآية {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم} لا يليق بالعرب، لأن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم، هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {لفى شك منه} من كتابهم {مريب} لا يؤمنون به حق الإيمان.

﴿ ١٤