١٥

ثم قال تعالى: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت} يعني فلأجل ذلك التفرق ولأجل مات حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين، فادع إلى الاتفاق على الملة الحنيفية واستقم عليهاوعلى الدعوة إليها، كما أمرك اللّه، ولا تتبع أهواءهم المختلفة الباطلة {وقل ءامنت بما أنزل اللّه من كتاب} أي بأي كتاب صح أن اللّه أنزله، يعني لإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، ونظيره قوله {نؤمن ببعض ونكفر ببعض} إلى قوله {أولئك هم الكافرون} (النساء: ١٥١) ثم قال: {وأمرت لاعدل بينكم} أي في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي، قل القفال: معناه أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي وأنفسكم بأن آمركم بما لا أعمله، أو أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه، لكني أسوي بينكم وبين نفسي، وكذلك أسوي بين أكابركم وأصاغركم فيما يتعلق بحكم اللّه.

ثم قال: {اللّه ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير}

والمعنى أن إله الكل واحدوكل واحد مخصوص بعمل نفسه، فوجب أن يشتغل كل واحد في الدنيا بنفسه، فإن اللّه يجمع بين الكل في يوم القيامة ويجازيه على عمله، والمقصود منه المتاركة واشتغال كل أحد بمهم نفسه،

فإن قيل كيف يليق بهذه المتاركة ما فعل بهم من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء؟

قلنا هذه المتاركة كانت مشروطة بشرط أن يقبلوا الدين المتفق على صحته بين كل الأنبياء، ودخل فيه التوحيد، وترك عبادة الأصنام، والإقرار بنبوة الأنبياء، وبحصة البعث والقيامة، فلما لم يقبلوا هذا الدين، فحينئذ فات الشرط، فلا جرم فات المشروط.

وأعلم أنه ليس المراد من قوله {لا حجة بيننا وبينكم} تحريم ما يجري مجرى محاجتهم، ويدل عليه وجوه

الأول: أن هذا الكلام مذكور فيمعرض المحاجة، فلو كان المقصود من هذه الآية تحريم المحاجة، لزم كونها محرمة لنفسها وهو متناقض

والثاني: أنه لولا الأدلة لما توجه التكليف

الثالث: أن الدليل يفيد العلم وذلك لا يمكن تحريمه، بل المراد أن القوم عرفوا بالحجة صدق محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وإنما تركوا تصديقه بغيا وعنادا، فبين تعالى أنه قد حصل الاستغناء عن محاجتهم لأنهم عرفوا بالحجة صدقه فلا حاجة معهم إلى المحاجة ألبتة، ومما يقوي قولنا: أنه لا يجوز تحريم المحاجة، قوله {وجادلهم بالتى هى أحسن} (النحل: ١٢٥) وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل: ١٢٥)

وقوله {لا * تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن} (العنكبوت: ٤٦)

وقوله {قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} (هود: ٣٢)

وقوله {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه} (الأنعام: ٨٣).

﴿ ١٥