٢٠

وأما المتقون لامهتدون، فاللّه وليهم وناصرهم وهم موالوه، وما أبين الفرق بين الولايتين، ولما بين اللّه تعالى هذه البيانات الباقية النافعة، قال: {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون} وقد فسرناه في آخر سورة الأعراف، والمعنى هذا القرآن بصائر للناس جعل ما فيه من البيانات الشافية، والبينات الكافية بمنزلة البصائر في القلوب، كما جعل في سائر الآيات روحا وحياة، وهو هدى من الضلالة، ورحمة من العذاب لمن آمن وأيقن، ولم بين للّه تعالى الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه الذي تقدم، بين الفرق بينهما من وجه آخر، فقال: {ما يحكمون وخلق اللّه السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما}

وفيه مباحث:

البحث الأول: {أم} كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفا على شيء آخر، سواء كان ذلك المعطوف مذكورا أو مضمرا، والتقدير ههنا: أفيعلم المشركون هذا، أم يحسبون أنا نتولاهم كما نتولى المتقين؟

البحث الثاني: الاجتراح: الاكتساب، ومنه الجوارح، وفلان جارحة أهله، أي كاسبهم، قال تعالى: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} (الأنعام: ٦٠).

البحث الثالث: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنهم، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا للمؤمنين: وا ما أنتم على شيء، ولو كان ماتقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما أنا أفضل حالا منكم في الدنيا، فأنكر اللّه عليهم هذا الكلام، وبين أنه لا يمكن أن يكون حال لمؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب، ومنازل السعادات.

واعلم أن لفظ {حسب} يستدعي مفعولين

 أحدهما: الضمير المذكور في قوله {أن نجعلهم}

والثاني: الكاف في قوله {كالذين ءامنوا} والمعنى أحسب هؤلاء المجترحين أن نجعلهم أمثال الذين آمنوا؟ ونظيره قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} (السجدة: ١٨)

وقوله {إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا فى الحيواة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} (غافر: ٥١، ٥٢)

وقوله تعالى: {أفنجعل المسلمين فما لكم كيف تحكمون} (القلم: ٣٥، ٣٦)

﴿ ٢٠