١٨

الأول: أنه تعالى وصف هذا الذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني بقوله {أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} ولا شك أن عبد الرحمان آمن وحسن إسلامه، وكان من سادات المسلمين، فبطل حمل الآية عليه،

فإن قالوا: روي أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، قال: {أتعداننى أن أخرج} من القبر، يعني أبعث بعد الموت {وقد خلت القرون من قبلى} يعني الأمم الخالية، فلم أر أحدا منهم بعث فأين عبد اللّه بن جدعان، وأين فلان وفلان؟ إذا عرفت هذا

فنقول قوله {أولئك الذين حق عليهم القول} المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبد الرحمان من المشركين الذين ماتوا قبله، وهم الذين حق عليهم القول، وبالجملة فهو عائد إلى المشار إليهم بقوله {وقد خلت القرون من قبلى} لا إلى المشار إليه بقوله {والذى قال لوالديه أف لكما} هذا ما ذكره الكلبي في دفع ذلك الدليل، وهو حسن

والوجه الثاني: في إبطال ذلك القول، ما روي أن مروان لما خطب عبد الرحمان بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت عائشة ذلك فغضبت وقالت: واللّه ما هو به، ولكن اللّه لعن أباك وأنت في صلبه

الوجه الثالث: وهو الأقوى، أن يقال إنه تعالى وصف الولد البار بأبويه في الآية المتقدمة، ووصف الولد العاق لأبويه في هذه الآية، وذكر من صفات ذلك الولد أنه بلغ في العقوق إلى حيث لما دعاه أبواه إلى الدين الحق، وهو الإقرار بالبعث والقيامة أصر على الإنكار وأبى واستكبر، وعول في ذلك الإنكار على شبهات خسيسة وكلمات واهية، وإذا كان كذلك كان المراد كل ولد اتصف بالصفات المذكورة ولا حاجة ألبتة إلى تخصيص اللفظ المطلق بشخص معين قال صاحب "الكشاف": قرىء {أف} بالفتح والكسر بغير تنوين، وبالحركات الثلاث مع التنوين، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر، كما إذا قال حس، علم أنه متوجع، واللام للبيان معناه هذا التأفيف لكما خاصة، ولأجلكما دون غيركما، وقرىء {أتعداننى} بنونين، وأتعداني بأحدهما وأتعداني بالإدغام، وقرأ: بعضهم: أتعدانني بفتح النون كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرين والياء، ففتح الأولى تحريا للتخفيف كما تحراه من أدغم ومن طرح أحدهما.

ثم قال: {أن أخرج} أي أن أبعث وأخرج من الأرض، وقرىء {أخرج وقد خلت القرون من قبلى} يعني ولم يبعث منهم أحد.

ثم قال: {وهما يستغيثان اللّه} أي الوالدان يستغيثان اللّه،

فإن قالوا: كان الواجب أن يقال يستغيثان باللّه؟

قلنا الجواب: من وجهين

الأول: أن المعنى أنهما يستغيثان اللّه من كفره وإنكاره، فلما حذف الجار وصل الفعل

الثاني: يجوز أن يقال الباء حذف، لأنه أريد بالاستغاثة ههنا الدعاء على ما قاله المفسرون {عبد اللّه} فلما أريد بالاستغاثة الدعاء حذف الجار، لأن الدعاء لا يقتضيه، وقوله {ويلك} أي يقولان له ويلك {من} وصدق بالبعث وهو دعاء عليه بالثبور، والمراد به الحث، والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك.

ثم قال: {إن وعد اللّه} بالبعث حق، فيقول لهما ما هذا الذي تقولان من أمر البعث وتدعوانني إليه {إلا أساطير الاولين}.

ثم قال تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول} أي حقت عليهم كلمة العذاب، ثم ههنا قولان:

فالذين يقولون المراد بنزول الآية عبد الرحمان بن أبي بكر، قالوا المراد بهؤلاء الذين حقت عليهم كلمة العذاب هم القرون الذين خلوا من قبله، والذين قالوا المراد به ليس عبد الرحمان، بل كل ولد كان موصوفا بالصفة المذكورة؛ قالوا هذا الوعيد مختص بهم، وقوله {فى أمم} نظير لقوله {فى أصحاب الجنة} وقد ذكرنا أنه نظير لقوله: أكرمني الأمير في أناس من أصحابه، يريد أكرمني في جملة من أكرم منهم.

ثم قال: {إنهم كانوا خاسرين} وقرىء أن بالفتح على معنى آمن بأن وعد اللّه حق.

﴿ ١٨