٦{أفلم ينظروا إلى السمآء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج}. إشارة إلى الدليل الذي يدفع قولهم {ذلك رجع بعيد} (ق: ٣) وهذا كما في قوله تعالى: {أوليس الذى خلق * السماوات والارض *بقادر على أن يخلق مثلهم} (يس: ٨٠) وقوله تعالى: {لخلق * السماوات والارض *أكبر من خلق الناس} (غافر: ٥٧) وقوله تعالى: {أولم يروا أن اللّه الذى خلق * السماوات والارض * ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحى الموتى بلى} (الأحقاف: ٣٣) وفيه مسائل: المسألة الأولى: همزة الاستفهام تارة تدخل على الكلام ولا واو فيه، وتارة تدخل عليه وبعدها واو، فهل بين الحالتين فرق؟ نقول فرق أدق مما على الفرق، وهو أن يقول القائل: أزيد في الدار بعد، وقد طلعت الشمس؟ يذكره للإنكار، فإذا قال: أو زيدا في الدار بعد، وقد طلعت الشمس؟ يشير بالواو إشارة خفية إلى أن قبح فعله صار بمنزلة فعلين قبيحين، كأنه يقول بعد ما سمع ممن صدر عن زيد هو في الدار، أغفل وهو في الدار بعد، لأن الواو تنبىء عن ضيف أمر مغاير لما بعدها وإن لم يكن هناك سابق لكنه يومىء بالواو إليه زيادة في الإنكار، فإن قيل قال في موضع {أو لم * ينظروا} (الأعراف: ١٨٥) وقال ههنا {أفلم ينظروا} بالفاء فما الفرق؟ نقول ههنا سبق منهم إنكار الرجع فقال بحرف التعقيب بمخالفه، فإن قيل ففي يس سبق ذلك بقوله قال: {من يحى العظام} (يس: ٧٨) نقول هناك الاستدلال بالسماوات لما لم يعقب الإنكار على عقيب الإنكار استدل بدليل آخر، وهو قوله تعالى: {قل يحييها الذى أنشأها أول مرة} (يس: ٧٩) ثم ذكر الدليل الآخر، وههنا الدليل كان عقيب الإنكار فذكر بالفاء، وأما قوله ههنا بلفظ النظر، وفي الأحقاف بلفظ الرؤية، ففيه لطيفة وهي أنهم ههنا لما استبعدوا أمر الرجع بقولهم {ذلك رجع بعيد} استبعد استبعادهم، وقال: {أفلم ينظروا إلى السماء} لأن النظر دون الرؤية فكأن النظر كان في حصول العلم بإنكار الرجع ولا حاجة إلى الرؤية ليقع الاستبعاد في مقابلة الاستعباد، وهناك لم يوجد منهم بإنكار مذكور فأرشدهم إليه بالرؤية التي هي أتم من النظر، ثم إنه تعالى كمل ذلك وجمله بقوله {إلى السماء} ولم يقل في السماء لأن النظر في الشيء ينبىء عن التأمل والمبالغة والنظر إلى الشيء ينبىء عنه، لأن إلى للغاية فينتهي النظر عنده في الدخول في معنى الظرف فإذا انتهى النظر إليه ينبغي أن ينفذ فيه حتى يصح معنى الظرفية وقوله تعالى: {فوقهم} تأكيد آخر أي وهو ظاهر فوق رؤوسهم غير غائب عنهم، وقوله تعالى: {كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} إشارة إلى وجه الدلالة وأولوية الوقوع وهي للرجع، أما وجه الدلالة فإن الإنسان له أساس هي العظام التي هي كالدعامة وقوى وأنوار كالسمع والبصر فبناء السماء أرفع من أساس البدن، وزينة السماء أكمل من زينة الإنسان بلحم وشحم. وأما الأولوية فإن السماء ما لها من فروج فتأليفها أشد، وللإنسان فروج ومسام، ولا شك أن التأليف الأشد كالنسج الأصفق والتأليف الأضعف كالنسج الأسخف، والأول أصعب عند الناس وأعجب، فكيف يستبعدون الأدون مع علمهم بوجود الأعلى من اللّه تعالى؟ قالت الفلاسفة الآية دالة على أن السماء لا تقبل الخرق وكذلك قالوا في قوله {هل ترى من فطور} وقوله {سبعا} (النبأ: ١٢) وتعسفوا فيه لأن قوله تعالى: {ما لها من * فروج} صريح في عدم ذلك، والإخبار عن عدم الشيء لا يكون إخبارا عن عدم إمكانه فإن من قال: ما لفلان قال؟ لا يدل على نفي إمكانه، ثم إنه تعالى بينن خلاف قولهم بقوله {وإذا السماء فرجت} (المرسلات: ٩) وقال: {إذا السماء انفطرت} (الانفطار: ١) وقال: {فهى يومئذ واهية} (الحاقة: ١٦) في مقابلة قوله {سبعا شدادا} وقال: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} (الرحمان: ٣٧) إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح وما ذكروه في الدلالة ليس بظاهر، بل وليس له دلالة خفية أيضا، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من مسكهم بالمنقول. |
﴿ ٦ ﴾