٣٠

وإنما ذلك قول اللّه تعالى: {قالوا كذلك قال ربك} ثم دفعوا استبعادها بقولهم: {إنه هو الحكيم العليم}. وقد ذكرنا تفسيرهما مرارا،

فإن قيل لم قال ههنا {الحكيم العليم} وقال في هود: {حميد مجيد} (هود: ٧٣)

نقول لما بينا أن الحكاية هناك أبسط، فذكروا ما يدفع الاستبعاد بقولهم: {أتعجبين من أمر اللّه} (هود: ٧٣)

ثم لما صدقت أرشدوهم إلى القيام بشكر نعم اللّه، وذكروهم بنعمته بقولهم: {حميد} فإن الحميد هو الذي يتحقق منه الأفعال الحسنة، وقولهم: {مجيد} إشارة إلى أن الفائق العالي الهمة لا يحمده لفعله الجميل، وإنما يحمده ويسبح له لنفسه، وههنا لما لم يقولوا: {أتعجبين} إشارة إلى ما يدفع تعجبها من التنبيه على حكمه وعلمه، وفيه لطيفة وهي أن هذا الترتيب مراعى في السورتين، فالحميد يتعلق بالفعل، والمجيد يتعلق بالقول، وكذلك الحكيم هو الذي فعله، كما ينبغي لعلمه قاصدا لذلك الوجه بخلاف من يتفق فعله موافقا للمقصود اتفاقا، كمن ينقلب على جنبه فيقتل حية وهو نائم، فائدة لا يقال له حكيم،

وأما إذا فعل فعلا قاصدا لقتلها بحيث يسلم عن نهشها، يقال له حكيم فيه، والعليم راجع إلى الذات إشارة إلى أنه يستحق الحمد بمجده، وإن لم يفعل فعلا وهو قاصد لعلمه، وإن لم يفعل على وفق القاصد.

﴿ ٣٠