١٣{وحملناه على ذات ألواح ودسر}. أي سفينة، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، إشارة إلى أنها كانت من ألواح مركبة موثقة بدثر، وكان انفكاكها في غاية السهولة، ولم يقع فهو بفضل اللّه، والدسر المسامير. وقوله تعالى: {تجرى} أي سفينة ذات ألواح جارية، وقوله تعالى: {بأعيننا} أي بمرأى منا أو بحفظنا، لأن العين آلة ذلك فتستعمل فيه}. وقوله تعالى: {جزاء لمن كان كفر} يحتمل وجوها أحدها: أن يكون نصبه بقوله: {*حملناه} أي حملناه جزاء، أي ليكون ذلك الحمل جزاء الصبر على كفرانهم وثانيها: أن يكون بقوله: {ودسر تجرى بأعيننا} لأن فيه معنى حفظنا، أي ما تركناه عن أعيننا وعوننا جزاء له ثالثها: أن يكون بفعل حاصل من مجموع ما ذكره كأنه قال: فتحنا أبواب السماء وفجرنا الأرض عيونا وحملناه، وكل ذلك فعلناه جزاء له، وإنما ذكرنا هذا، لأن الجزاء ما كان يحصل إلا بحفظه وإنجائه لهم، فوجب أن يكون جزاء منصوبا بكونه مفعولا له بهذه الأفعال، ولنذكر ما فيه من اللطائف في مسائل: المسألة الأولى: قال في السماء: {ففتحنا أبواب السماء} (القمر: ١١) لأن السماء ذات الرجع وما لها فطور، ولم يقل: وشققنا السماء، وقال في الأرض: {وفجرنا الارض} (القمر: ١٢) لأنها ذات الصدع. الثانية: لما جعل المطر كالماء الخارج من أبواب مفتوحة واسعة، ولم يقل في الأرض وأجرينا من الأرض بحارا وأنهارا، بل قال: {عيونا} والخارج من العين دون الخارج من الباب ذكر في الأرض أنه تعالى فجرها كلها، فقال: {وفجرنا الارض} لتقابل كثرة عيون الأرض سعة أبواب السماء فيحصل بالكثرة ههنا ما حصل بالسعة ههنا. الثالثة: ذكر عند الغضب سبب إلهلاك وهو فتح أبواب السماء وفجر الأرض بالعيون، وأشار إلى إلهلاك بقوله تعالى: {على أمر قد قدر} (القمر: ١٢) أي أمر إلهلاك ولم يصرح وعند الرحمة ذكر الإنجاء صريحا بقوله تعالى: {وحملناه} وأشار إلى طريق النجاة بقوله: {ذات ألواح} وكذلك قال في موضع آخر: {فأخذهم الطوفان} (العنكبوت: ١٤)، ولم يقل فأهلكوا، وقال: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} (العنبكوت: ١٥) فصرح بالإنجاء ولم يصرح بإلهلاك إشارة إلى سعة الرحمة وغاية الكرم أي خلقنا سبب الهلاك ولو رجعوا لما ضرهم ذلك السبب كما قال صلى اللّه عليه وسلم : {معزل يابنى اركب معنا} (هود: ٤٢) وعند الإنجاء أنجاه وجعل للنجاة طريقا وهو اتخاذ السفينة ولو انكسرت لما ضره بل كان ينجيه فالمقصود عند الإنجاء هو النجاة فذكر المحل والمقصود عند إلهلاك إظهار البأس فذكر السبب صريحا. |
﴿ ١٣ ﴾