١٦

بم ثم قال تعالى: {فكيف كان عذابى ونذر}.

وفيه وجهان

أحدهما: أن يكون ذلك استفهاما من النبي صلى اللّه عليه وسلم تنبيها له ووعدا بالعاقبة

وثانيهما: أن يكون عاما تنبيها للخلق ونذر أسقط منه ياء الإضافة كما حذف ياء يسري في قوله تعالى: {واليل إذا يسر} (الفجر: ٤) وذلك عند الوقف ومثله كثير كما في قوله تعالى: {فإياى فاعبدون} (العنكبوت: ٥١) {ولا هم ينقذون} (يس: ٤٣) (الزمر: ١٦)

وقوله تعالى: {قليلا وإياى فاتقون} (الزمر: ١٦)

وقوله تعالى: {ولا تكفرون} (البقرة: ١٥٢) وقرىء بإثبات الياء: {عذابى}

وفيه مسائل:

الأولى: ما الذي اقتضى الفاى في قوله تعالى: {مدكر فكيف كان}؟

نقول: أما إن قلنا إن الاستفهام من النبي صلى اللّه عليه وسلم، فكأنه تعالى قال له قد علمت أخبار من كان قبلك فكيف كان أي بعدما أحاط بهم علمك بنقلها إليك،

وأما إن قلنا الاستفهام عام فنقول لما قال: {هل من * مدكر} (القمر: ١٥) فرض وجودهم وقال: يا من يتذكر، وعلم الحال بالتذكير: {فكيف كان عذابى} ويحتمل أن يقال: هو متصل بقوله: {فهل من مدكر} تقديره مدكر كيف كان عذابي.

المسألة الثانية: ما رأوا العذاب ولا النذر فكيف استفهم منهم؟

نقول: أما على قولنا الاستفهام من النبي صلى اللّه عليه وسلم فقد علم لما علم،

وأما على قولنا عام فهو على تقدير الإدكار وعلى تقدير الإدكار يعلم الحال، ويحتمل أن يقال: إنه ليس باستفهام وإنما هو إخبار عن عظمة الأمر كما في قوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة} (الحاقة: ١، ٢) و {القارعة * ما القارعة} (القارعة: ١، ٢) وهذا لأن الاستفهام يذكر للأخبار كما أن صيغة هل تذكر للاستفهام فيقال زيد في الدار؟ بمعنى هل زيد في الدار، ويقول المنجز وعده هل صدقت؟ فكأنه تعالى قال: عذابي وقع وكيف كان أي كان عظيما وحينئذ لا يحتاج إلى علم من يستفهم منه.

المسألة الثالثة: قال تعالى من قبل: {ففتحنا * وفجرنا} ولم يقل كيف كان عذابنا

نقول لوجهين

أحدهما: لفظي وهو أن ياء المتكلم يمكن حذفها لأنها في اللفظ تسقط كثيرا فيما إذا التقى ساكنان، تقول: غلامي الذي، وداري التي، وهنا حذفت لتواخي آخر الآيات،

وأما النون والألف في ضمير الجمع فلا تحذف

وأما الثاني: وهو المعنوي فنقول: إن كان الاستفهام من النبي صلى اللّه عليه وسلم فتوحيد الضمير للأنباء، وفي فتحنا وفجرنا لترهيب العصاة،

ونقول: قد ذكرنا أن قوله: {من مدكر} (القمر: ١٥) فيه إشارة إلى قوله: {ألست بربكم} (الأعراف: ١٧٢) فلما وحد الضمير بقوله: {ألست بربكم} قال فكيف كان.

المسألة الرابعة: النذر جمع نذير فهل هو مصدر كالنسيب والنحيب أو فاعل كالكبير والصغير؟

نقول: أكثر المفسرين على أنه مصدر ههنا، أي كيف كان عاقبة عذابي وعاقبة إنذاري والظاهر أن المراد الأنباء، أي كيف كان عاقبة أعداء اللّه ورسله؟ هل أصاب العذاب من كذب الرسل أم لا؟ فإذا علمت الحال يا محمد فاصبر فإن عاقبة أمرك كعاقبة أولئك النذر ولم يجمع العذاب لأنه مصدر ولو جمع لكان في جمعه تقدير وفرض ولا حاجة إليه،

فإن قيل: قوله تعالى: {كذبت ثمود بالنذر} (القمر: ٢٣) أي بالإنذارات لأن الإنذارات جاءتهم،

وأما الرسل فقد جاءهم واحد،

نقول: كل من تقدم من الأمم الذين أشركوا باللّه كذبوا بالرسل وقالوا: ما أنزل اللّه من شيء وكان المشركون مكذبين بالكل ما خلا إبراهيم عليه السلام فكانوا يعتقدون فيه الخير لكونه شيخ المرسلين فلا يقال {كذبت ثمود بالنذر} أي بالأنبياء بأسرهم، كما أنكم أيها المشركون تكذبون بهم.

﴿ ١٦