٢المسألة الثالثة: قوله تعالى: {علم القرءان} لا بد له من مفعول ثان فما ذلك؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: قيل: علم بمعنى جعله علامة أي هو علامة النبوة ومعجزة وهذا يناسب قوله تعالى: {وانشق القمر} (القمر: ١) على ما بينا أنه ذكر في أول تلك السورة معجزة من باب الهيئة وهو أنه شق مالا يشقه أحد غيره، وذكر في هذه السورة معجزة من باب الرحمة، وهو أنه نشر من العلوم مالا ينشره غيره، وهو ما في القرآن، وعلى هذا الوجه من الجواب ففيه احتمال آخر، وهو أنه جعله بحيث يعلم فهو كقوله: {ولقد يسرنا القرءان للذكر} (القمر: ١٧) والتعليم على هذا الوجه مجاز. يقال: إن أنفق على متعلم وأعطى أجرة على تعليمة علمه وثانيهما: أن المفعول الثاني لا بد منه وهو جبريل وغيره من الملائكة علمهم القرآن ثم أنزله على عبده كما قال تعالى: {نزل به الروح الامين * على قلبك} (الشعراء: ١٩٣، ١٩٤) ويحتمل أن يقال: المفعول الثاني هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وفيه إشارة إلى أن القرآن كلام اللّه تعالى لا كلام محمد، وفيه وجه ثالث: وهو أنه تعالى علم القرآن الإنسان، وهذا أقرب ليكون الإنعام أتم والسورة مفتتحة لبيان الأعم من النعم الشاملة. المسألة الرابعة: لم ترك المفعول الثاني؟ نقول: إشارة إلى أن النعمة في تعميم التعليم لا في تعليم شخص دون شخص يقال: فلان يطعم الطعام إشارة إلى كرمه، ولا يبين من يطعمه. المسألة الخامسة: ما معنى التعليم؟ نقوله على قولنا له مفعول ثان إفادة العلم به، فإن قيل: كيف يفهم قوله تعالى: {علم القرءان} مع قوله: {وما يعلم تأويله إلا اللّه}؟ (آل عمران: ٧) نقول: من لا يقف عند قوله: {إلا اللّه } ويعطف: {الراسخون} على اللّه عطف المفرد على المفرد لا يرد عليه هذا، ومن يقف ويعطف قوله تعالى: {والرسخون في العلم} على قوله: {وما يعلم تأويله} عطف جملة على جملة يقول: إنه تعالى علم القرآن، لأن من علم كتابا عظيما ووقع على ما فيه، وفيه مواضع مشكلة فعلم ما في تلك المواضع بقدر الإمكان، يقال: فلان يعلم الكتاب الفلاني ويتقنه بقدر وسعه، وإن كان لم يعلم مراد صاحب الكتاب بيقين، وكذلك القول في تعليم القرآن، أو تقول: لا يعلم تأويله إلا اللّه وأما غيره فلا يعلم من تلقاء نفسه مالم يعلم، فيكون إشارة إلى أن كتاب اللّه تعالى ليس كعيره من الكتب التي يستخرج ما فيها بقوة الذكاء والعلوم. |
﴿ ٢ ﴾